الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: وفي الأيام المعدودة قولان: أحدهما: أنها أربعون يومًا، وهذا قول قتادة، والسدي، وعكرمة، وأبي العالية، ورواه الضحاك عن ابن عباس، ومن قال بهذا اختلفوا في تقديرهم لها بالأربعين: فقال بعضهم: لأنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل. وقال ابن عباس: أن اليهود يزعمون أنهم، وجدوا في التوراة مكتوبًا، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم، فإذا انقطع المسير انقضى العذاب، وهلكت النار، وهذا قول من قدر المعدودة بالأربعين. والقول الثاني: أن المعدودة التي تمسهم فيها النار سبعة أيام، لأنهم زعموا، أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنهم يُعَذَّبُون عن كل ألف سنة يومًا، وهذا قول مجاهد، ورواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس. اهـ. .قال الفخر: قال الفخر: قوله تعالى: {أتخذتم} ليس باستفهام، بل هو إنكار لأنه لا يجوز أن يجعل تعالى حجة رسوله في إبطال قولهم أن يستفهمهم، بل المراد التنبيه على طريقة الاستدلال وهي أنه لا سبيل إلى معرفة هذا التقدير إلا بالسمع، فلما لم يوجد الدليل السمعي وجب ألا يجوز الجزم بهذا التقدير. اهـ. قال الفخر: قوله تعالى: {فَلَن يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ} يدل على أنه سبحانه وتعالى منزه عن الكذب وعده ووعيده. قال أصحابنا: لأن الكذب صفة نقص، والنقص على الله محال، وقالت المعتزلة: لأنه سبحانه عالم بقبح القبيح وعالم بكونه غنيًا عنه، والكذب قبيح لأنه كذب والعالم بقبح القبيح وبكونه غنيًا عنه يستحيل أن يفعله، فدل على أن الكذب منه محال، فلهذا قال: {فَلَن يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ}، فإن قيل: العهد هو الوعد وتخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي ما عداه، فلما خص الوعد بأنه لا يخلفه علمنا أن الخلف في الوعيد جائز، ثم العقل يطابق ذلك، لأن الخلف في الوعد لؤم وفي الوعيد كرم. قلنا: الدلالة المذكورة قائمة في جميع أنواع الكذب. اهـ. .قال الألوسي: واعترض: بأنه لا وجه للتخصيص، فإن {لَن تَمَسَّنَا} الخ فرع الوعد والوعيد لأن مساس النار وعيد، وأجيب بأنه إنما لم يتعرض للوعيد، لأن المقصود بالاستفهام الوعد لا الوعيد فإنه ثابت في حقهم. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى الآية هل قلتم لا إله إلا الله، وآمنتم وأطعتم فتستدلون بذلك وتعلمون خروجكم من النار؟ ويؤول إلى هل أسلفتم عند الله أعمالًا توجب ما تدعون؟ والمعنى الأول أظهر. وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال والباقون بإدغامه، وحذفت من اتخذ همزة الوصل لوقوعها في الدرج. {فَلَن يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ} جواب شرط مقدر، أي إن اتخذتم عند الله عهدًا فلن يخلف وقدره العلامة إن كنتم اتخذتم إذ ليس المعنى على الاستقبال وهو مبني على أن حرف الشرط لا يغير معنى كان وفيه خلاف معروف فإن قلت: لا يصح جعل {فَلَن يُخْلِفَ الله} جزاء لامتناع السببية والترتب لكون {لَنْ} لمحض الاستقبال قلت: ذلك ليس بلازم في الفاء الفصيحة كقوله: ولو سلم فقد ترتب على اتخاذ العهد الحكم بأنه لا يخلف العهد فيما يستقبل من الزمان فقط، كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ الله} [النحل: 3 5] كذا أفاده العلامة، والجواب الأول: مبني على أن الفاء الفصيحة لا تنافي تقدير الشرط، وأنها تفيد كون مدخولها سببًا عن المحذوف سواء ترتب عليه أو تأخر لتوقفه على أمر آخر بدليل أن قوله: علم عندهم في الفصيحة مع كونه بتقدير الشرط وعدم الترتب كما في شرح المفتاح الشريفي ومبنى الثاني: على أن المراد حكمهم لا حكمه تعالى حين النزول، ولخفاء ذلك قال المولى عصام: الأظهر أنه دليل الجزاء وضع موضعه، أي إن كنتم اتخذتم عند الله عهدًا فقد نجوتم لأنه لن يخلف الله عهده فافهم. ومن الناس من لا يقدر محذوفًا ويجعل الفاء سببية ليكون اتخاذ العهد مترتبًا عليه عدم إخلاف الله تعالى عهده ويكون المنكر حينئذٍ المجموع فتفطن. وهذه الجملة كما قال ابن عطية اعتراضية بين {اتخذتم} والمعادل فلا موضع لها من الإعراب، وإظهار الاسم الجليل للإشعار بعلة الحكم فإن عدم الاختلاف من قضية الألوهية والعهد مضاف إلى ضميره تعالى لذلك أيضًا، أو لأن المراد به جميع عهوده لعمومه بالإضافة، فيدخل العهد المعهود مع التجافي عن التصريح بتحقق مضمون كلامهم، وإن كان معلقًا على الاتخاذ المعلق بحبال العدم واستدل بالآية من ذهب إلى نفي الخلف في الوعد والوعيد بحمل العهد على الخبر الشامل لهما، وادعى بعضهم أن العهد ظاهر في الوعد بل حقيقة عرفية فيه فلا دليل فيها على نفي الخلف في الوعيد. اهـ. .قال أبو السعود: أي إن كان الأمر كذلك فلن يُخلِفَه، والجملةُ اعتراضيةٌ وإظهارُ الاسمِ الجليل للإشعار بعِلّة الحُكم فإن عدم الإخلاف من قضية الألوهية، وإظهارُ العهدِ مضافًا إلى ضميره عز وجل لما ذكر، أو لأن المرادَ به جميعُ عهوده لعمومه بالإضافة فيدخل فيه العهدُ المعهودُ دخولًا أوليًا، وفيه تجافٍ عن التصريح بتحقق مضمونِ كلامِهم وإن كان معلقًا بما لم يكَدْ يشَمُّ رائحةَ الوجود قطعًا أعني اتخاذَ العهد. اهـ. .قال ابن عاشور: والمراد بالعهد الوعد المؤكد فهو استعارة، لأن أصل العهد هو الوعد المؤكد بقسم والتزام، ووعد الذي لا يخلف الوعد كالعهد، ويجوز أن يكون العهد هنا حقيقة لأنه في مقام التقرير دال على انتفاء ذلك. وذكر الاتخاذ دون أعاهدتم أو عاهدكم لما في الاتخاذ من توكيد العهد و{عند} لزيادة التأكيد يقولون اتخذ يدًا عند فلان. وقوله: {فلن يخلف الله عهده} الفاء فصيحة دالة على شرط مقدر وجزائه وما بعد الفاء هو علة الجزاء والتقدير فإن كان ذلك فلكم العذر في قولكم لأن الله لا يخلف عهده وتقدم ذلك عند قوله تعالى: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا} [البقرة: 60]. ولكون ما بعد فاء الفصيحة دليل شرط وجزائه لم يلزم أن يكون ما بعدها مسببًا عما قبلها ولا مترتبًا عنه حتى يشكل عليه عدم صحة ترتب الجزاء في الآية على الشرط المقدر لأن لن للاستقبال. اهـ. .قال الفخر: أحدها: لعل الله تعالى إنما أنكر عليهم لأنهم قللوا أيام العذاب، فإن قولهم: {لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً}، يدل على أيام قليلة جدًا، فالله تعالى أنكر عليهم جزمهم بهذه القلة لا أنه تعالى أنكر عليهم انقطاع العذاب. وثانيها: أن المرجئة يقطعون في الجملة بالعفو، فأما في حق الشخص المعين فلا سبيل إلى القطع، فلما حكموا في حق أنفسهم بالتخفيف على سبيل الجزم لا جرم أنكر الله عليهم ذلك. وثالثها: أنهم كانوا كافرين وعندنا عذاب الكافر دائم لا ينقطع، سلمنا أنه تعالى ما وعد موسى عليه السلام أنه يخرج أهل الكبائر من النار، فلم قلت أنه لا يخرجهم من النار؟ بيانه أنه فرق بين أن يقال إنه تعالى ما وعده إخراجهم من النار وبين أن يقال: إنه أخبره أنه لا يخرجهم من النار والأول لا مضرة فيه، فإنه تعالى ربما لم يقل ذلك لموسى إلا أنه سيفعله يوم القيامة، وإنما رد على اليهود وذلك لأنهم جزموا به من غير دليل، فكان يلزمهم أن يتوقفوا فيه وأن لا يقطعوا لا بالنفي ولا بالإثبات، سلمنا أنه تعالى لا يخرج عصاة قوم موسى من النار، فلم قلت: إنه لا يخرج عصاة هذه الأمة من النار، وأما قول الجبائي: لأن حكمه تعالى في الوعد والوعيد لا يجوز أن يختلف في الأمم. فهو تحكم محض، فإن العقاب حق الله تعالى، فله أن يتفضل على البعض بالإسقاط وأن لا يتفضل بذلك على الباقين، فثبت أن هذا الاستدلال ضعيف. اهـ. وقال الفخر: أما قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فهو بيان لتمام الحجة المذكورة، فإنه إذا كان لا طريق إلى التقدير المذكور إلا السمع وثبت أنه لم يوجد السمع، كان الجزم بذلك التقدير قولًا على الله تعالى بما لا يكون معلومًا لا محالة، وهذه الآية تدل على فوائد. أحدها: أنه تعالى لما عاب عليهم القول الذي قالوه لا عن دليل علمنا أن القول بغير دليل باطل. وثانيها: أن كل ما جاز وجوده وعدمه عقلًا لم يجز المصير إلى الإثبات أو إلى النفي إلا بدليل سمعي. وثالثها: أن منكري القياس وخبر الواحد يتمسكون بهذه الآية. قالوا: لأن القياس وخبر الواحد لا يفيد العلم، فوجب أن لا يكون التمسك به جائزًا لقوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ذكر ذلك في معرض الإنكار. والجواب: أنه لما دلت الدلالة على وجوب العمل عند حصول الظن المستند إلى القياس أو إلى خبر الواحد كان وجوب العمل معلومًا، فكان القول به قولًا بالمعلوم لا بغير المعلوم. اهـ. .قال أبو السعود: .قال الألوسي:
|