الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل: سُمي طالوت لطوله. وقيل: زيادة الجسم كانت بكثرة معاني الخير والشجاعة، ولم يرد عِظم الجسم؛ ألم تر إلى قول الشاعر: قلت: ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: «أسرعكنّ لحاقا بي أطولكنّ يدًا» فكنّ يتطاولن؛ فكانت زينب أوّلهن موتًا؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدّق؛ خرّجه مسلم. وقال بعض المتأوّلين: المراد بالعلم عِلم الحرب، وهذا تخصيص العموم من غير دليل. وقد قيل: زيادة العلم بأن أوحى الله إليه، وعلى هذا كان طالوت نبيًا، وسيأتي. اهـ.
فالعلم المراد هنا، هو علم تدبير الحرب وسياسة الأمة، وقيل: هو علم النبوءة، ولا يصح ذلك لأن طالوت لم يكن معدودًا من أنبيائهم. ولم يجبهم نبيئهم عن قوله: {ولم يؤت سعة من المال} اكتفاء بدلالة اقتصاره على قوله: {وزاده بسطة في العلم والجسم} فإنه ببسطة العلم وبالنصر يتوافر له المال؛ لأن المال تجلبه الرعية كما قال أرسططاليس، ولأن الملك ولو كان ذا ثروة، فثروته لا تكفي لإقامة أمور المملكة ولهذا لم يكن من شرط ولاة الأمور من الخليفة فما دونه أن يكون ذا سعة، وقد ولي على الأمة أبو بكر وعمر وعلي ولم يكونوا ذوي يسار، وغنى الأمة في بيت مالها ومنه تقوم مصالحها، وأرزاق ولاة أمورها. اهـ.
وقال الفخر: الوجه الثالث: في الجواب عن الشبهة قوله تعالى: {والله يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاء} وتقريره أن الملك لله والعبيد لله فهو سبحانه يؤتي ملكه من يشاء ولا اعتراض لأحد عليه في فعله، لأن المالك إذا تصرف في ملكه فلا اعتراض لأحد عليه في فعله. اهـ.
ولما قالوا: {ونحن أحق بالملك منه} فكان في قولهم ادّعاء الأحقية في الملك، حتى كأن الملك هو في ملكهم، أضاف الملك إلى الله في قوله: ملكًا، فالملك ملكه يتصرف فيه كما أراد، فلستم بأحق فيه، لأنه ملك الله يؤتيه من يشاء، وقيل: هاتان الجملتان ليستا داخلتين في قول النبي، بل هي إخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، فهي معترضة في هذه القصة، جاءت للتشديد والتقوية لمن يؤتيه الله الملك، أي: فإذا كان الله تعالى هو المتصرف في ملكه فلا اعتراض عليه {لا يسأل عما يفعل} وختم بهاتين الصفتين، إذ تقدّم دعواهم أنهم أهل الملك، وأنهم الأغنياء، وأن طالوت ليس من بيت الملك، وأنه فقير فقال تعالى: إنه واسع، يوسع فضله على الفقير، عليم بمن هو أحق بالملك، فيضعه فيه ويختاره له. اهـ.
أحدها: أنه تعالى واسع الفضل والرزق والرحمة، وسعت رحمته كل شيء، والتقدير: أنتم طعنتم في طالوت بكونه فقيرًا، والله تعالى واسع الفضل والرحمة، فإذا فوض الملك إليه، فإن علم أن الملك لا يتمشى إلا بالمال، فالله تعالى يفتح عليه باب الرزق والسعة في المال. والقول الثاني: أنه واسع، بمعنى موسع، أي يوسع على من يشاء من نعمه، وتعلقه بما قبله على ما ذكرناه. والثالث: أنه واسع بمعنى ذو سعة، ويجيء فاعل ومعناه ذو كذا، كقوله: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] أي ذات رضا، وهم ناصب ذو نصب، ثم بين بقوله: {عَلِيمٌ} أنه تعالى مع قدرته على إغناء الفقير عالم بمقادير ما يحتاج إليه في تدبير الملك، وعالم بحال ذلك الملك في الحاضر والمستقبل، فيختار لعلمه بجميع العواقب ما هو مصلحته في قيامه بأمر الملك. اهـ.
ويحتمل أن يكون تذييلًا للقصة من كلام الله تعالى، وكذلك قوله: {والله واسع عليم}. اهـ.
أحدها: واسع الفضل، فحذف ذكر الفضل اكتفاء بدليل اللفظ، كما يقال فلان كبير، بمعنى كبير القَدْر. الثاني: أنه بمعنى مُوسِع النعمة على مَنْ يشاء من خلقه. والثالث: أنه بمعنى ذو سعة. اهـ.
فأخبرهم نبيهم، أن الله تعالى قد اختاره عليكم، وشرّفه بخصلتين: هما في ذاته: إحداهما: الخلق العظيم، والأخرى: المعرفة التي هي الفضل الجسيم، واستغنى بهذين الوصفين الذاتيين عن الوصفين الخارجين عن الذات، وهما الفخر: بالعظم الرميم، والاستكثار بالمال الذي مرتعه وخيم. ثم أخبر أن الله تعالى يعطي ملكه من أراد، وأنه الواسع الفضل، العالم بمصالح العباد، فلا اعتراض عليه. اهـ.
ومن تكبرهم عليه قالوا: {أنى يكون له الملك علينا}. ومن تحقيرهم إياه قالوا: {ولم يؤت سعة من المال}. فلما تكبروا وضعهم الله وحرموا من الملك.
قالوا يخلق الله اللبن وسيطا بين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا يبغى أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله. قيل: إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وهو من الحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه مادة اللبن وأعلاه مادة الدم والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقى الفرث في الكرش فسبحان الله ما أعظم قدرته وألطف حكمته لمن تأمل. والإنسان له استعداد الصلاح والفساد فتارة يظهر في الأولاد الصلاح المبطون في الآباء وتارة يكون الأمر بالعكس وأمر الإيجاد يدور على الإظهار والإبطان فانظر إلى آدم وابنيه قابيل وهابيل ثم وثم إلى انتهاء الزمان. والحاصل أن طالوت ولو كان أخس الناس عند بنى إسرائيل لكنه عظيم شريف عند الله لما أن النظر الآلهى إذا تعلق بحجر يجعله جوهرا وبشوك يجعله وردا وريحانا فلا معترض لحكمه ولا راد لقضائه. فالوضيع من وضعه الله وإن كان قد رفعه الناس والرفيع من رفعه الله وإن كان قد وضعه الناس. والعاقل إذا تأمل أمثال هذا يجد من نفسه الإنصاف والسكوت وتفويض الأمر إلى الحى الذي لا يموت والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. اهـ.
|