الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن
.1- شرح المفردات: (ما ولّاهم): ما صرفهم. (عن قبلتهم): عن بيت المقدس. (وسطا): عدولا خيارا. (ينقلب على عقبيه): يرتد عن الإسلام عند تحويل القبلة إلى الكعبة المشرّفة. (لكبيرة): لشاقّة وثقيلة على النفوس. (ليضيع إيمانكم): صلاتكم فترة توجّهكم إلى بيت المقدس، بل يقبله الله منكم. (تقلّب وجهك): تحوّله وتردّده المرة بعد المرة، طلبا للوحي، والتجاء إلى الله تعالى. (فلنولّينك): لنوجهنّك ولنمكننّك من استقبالها. (ترضاها): تحبّها وتميل إليها. (فولّ): اصرف. (شطر المسجد الحرام): ناحيته وتلقاءه. .2- المعنى الإجمالي: * وفي الآية الثانية يخبر الله عزّ وجلّ أنه جعل هذه الأمة خيارا عدولا، وكما هداهم إلى أفضل قبلة جعلهم أفضل أمة وأعدل أمة، يشهدون على الأمم يوم القيامة، ويشهد عليهم رسولهم صلّى الله عليه وسلّم. * وفي الآية الثالثة يعلم الله رسوله، أنه كان يراه وهو يقلّب وجهه في السماء انتظارا لوحي السماء يأمره بتحويل القبلة، فتتحقق رغبة في مخالفة يهود، ومحبته لقبلة أبيه إبراهيم. والذين أوتوا الكتاب يعلمون أن هذا حق، والله سبحانه مطلع على سرائرهم وعلانيتهم. .3- سبب النزول وأهميته في تفسير الآيات: 2- وعنه رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّ أن يوجّه إلى الكعبة، فأنزل الله عزّ وجلّ: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} فتوجّه نحو الكعبة، وقال السّفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} فصلّى مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، ثم خرج بعد ما صلّى، فمرّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنّه توجّه نحو الكعبة، فتحرّف القوم حتى توجّهوا نحو الكعبة. وهذان النّصّان من صحيح البخاري يعينان على فهم الآيات المتقدّمة من سورة البقرة، ويمنعان وجود أيّ إشكال أو لبس في تفسيرها. .4- الأحكام الشرعية، والتوجيهات المستفادة: .أ- الأحكام الشرعية: .1- جواز النسخ: وجواز نسخ السنة بالقرآن، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى إلى بيت المقدس، وليس في ذلك قرآن، فلم يكن الحكم إلا بالسنة الفعلية، ثم نسخ ذلك بالقرآن. .2- قبول خبر الواحد: .3- فضل هذه الأمة المسلمة على غيرها من الأمم: .4- (المراد بالمسجد الحرام:) .5- استقبال القبلة فرض من فروض الصلاة: وأجمع العلماء على أنّ المشاهد للكعبة لا يجزيه إلا إصابة عين الكعبة في صلاته. وأما غير المشاهد للكعبة، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الواجب قصد الإصابة مع التوجه إلى الجهة. وذهب الحنفية والمالكية إلى أن الواجب استقبال جهة الكعبة. وقد رجّح القرطبي في تفسيره ما ذهب إليه الحنفية والمالكية، فقال: واختلفوا هل فرض الغائب استقبال العين، أو الجهة، فمنهم من قال بالأول. قال ابن العربي: وهو ضعيف لأنه تكليف ما لا يوصل إليه، ومنهم من قال بالجهة، وهو الصحيح لثلاثة أوجه: الأول: أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف. الثاني: أنه المأمور به في القرآن لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} يعني من الأرض من شرق أو غرب. الثالث: أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت. .ب- التوجيهات المستفادة: .1- توطين نفس الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين به: .2- (الردّ على المعترضين من اليهود والمشركين والمضطربين من المنافقين:) .3- خير الأمور أوسطها: .4- فضل الأمة المسلمة: .5- علوم القرآن في الآيات: 2- الآيات من سورة البقرة، وهي مدنية بالإجماع، أي نزلت بعد الهجرة، وحادثة تحويل القبلة وقعت بالمدينة بعد ستة عشر أو سبعة عشر شهرا من مهاجره صلّى الله عليه وسلّم، كما أن الآيات صريحة في الكشف عن جدال أهل الكتاب، واعتراضات المشركين والمنافقين. وهي تقرّر أحكاما تشريعية وتعبدية، وكل ذلك من خصائص القرآن المدني كما تقدم. 3- القراءات: - قرأ الجمهور: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} بالمد والهمز في: {لَرَؤُفٌ} على وزن فعول. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو: {لرؤف} على وزن (فعل) وهي لغة بني أسد، ومنه قول الوليد بن عقبة: - وقرأ الجمهور: {وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} بالياء في: {يعملون}، فيكون خطابا ووعيدا لأهل الكتاب، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: {عما تعملون} بالتاء، فيكون خطابا ووعيدا لأهل الكتاب أو أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم. 4- الآيات محكمة واضحة، لا خفاء فيها، وتظهر بوضوح تام حكم التوجّه إلى الكعبة في الصلاة، وموقف أهل الضلال من اليهود والمشركين والمنافقين من إحكام الأمر، وتحويل التوجه من بيت المقدس إلى البيت العتيق، فالآيات الثلاثة محكمة كلها، وليست من المتشابه في شيء. 5- في الآيات دليل على وقوع النسخ في الأحكام، وقد ذكرنا إجماع العلماء على أن القبلة أول ما نسخ من القرآن، وأنها نسخت مرة واحدة، كما صحّح ذلك ابن عبد البر. وقد استقر الحكم بعد سبعة عشر شهرا من مهاجره صلّى الله عليه وسلّم، أي: بدءا من أول الربع الثاني من السنة الثانية للهجرة النبوية. 6- أما الإعجاز في الآيات فظاهر كما هو في جميع سور القرآن، ومن الصور البلاغية في الآيات الثلاثة: - {يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ} استعارة تمثيلية، إذ مثّل الله تعالى من يرتد عن دينه بمن ينقلب على عقبيه. - {لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} من صيغ المبالغة، والرأفة شدة الرحمة، وقدّم الأبلغ مراعاة للفاصلة، وهي الميم في قوله: {صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}. - {فَوَلِّ وَجْهَكَ} أطلق الوجه وأريد به الذات، من قبيل المجاز المرسل، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. .ثانيا- القراءات الله جلّ جلاله منوّر السّماوات والأرض: .تمهيد: وسمّيت السورة (رقم 24) سورة النور، لورود هذه الآية المشتملة على إشعاع النور الإلهي، وإنارة الوجود بظهور الهداية والحق فيه. قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35]. .1- شرح المفردات: (كمشكاة): المشكاة: هي الكوّة في الحائط، وتكون غير نافذة إلى الجهة الثانية، وهي أجمع للضوء الذي يكون فيها من مصباح أو غيره. (مصباح): سراج ضخم ثاقب. (زجاجة): قنديل من الزجاج، صاف أزهر. (كوكب دري): نجم مضيء، يشبه الدرّ في تلألئه وصفائه. (زيتونة): من شجر الزيتون الذي بارك الله فيه، وجعل منافعه عديدة. (لا شرقية ولا غربية): لا يسترها عن الشمس شيء، لا في حال شروقها، ولا في حال غروبها. (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار): لصفائه وحسنه وجودته. (نور على نور): المصباح نور، والزجاجة نور، وانعكاسه من المشكاة نور. (ويضرب الله الأمثال للناس): يبين الله تعالى الأشياء بأشباهها ونظائرها تقريبا لها إلى الإفهام والاتعاظ. .2- المعنى الإجمالي: والله سبحانه يهدي لهذا النور الثاقب من يشاء من عباده، بأن يوفقهم للإيمان به، وفهم دلائل حقيقته. ويضرب الله الأمثال للناس، ليقرب لهم المعقول من المحسوس، وهو سبحانه بكل شيء عليم، فلا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عن علمه شيء.
|