الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.بيعة المهدي بسجلماسة. ولما ملك أبو عبد الله أفريقية لقيه أخوه العباس منطلقا من اعتقاله فاستخلفه عليها وترك معه أبا زاكي تمام بن معارك من قواد كتامة وسار إلى المغرب ففرق القبائل من طريقه وخافته زناتة فدخلوا في طاعته ولما قرب من سجلماسة أرسل إلى المهدي بمحبسه يسأله عن حاله فأنكر ثم سأل ولده كذلك فأنكر وضرب رجاله فأنكروا ونمي الخبر إلى أبي عبد الله فخشي عليهم وأرسل إلى أليسع يتلطفه فقتل الرسل فأغذ أبو عبد الله السير وحاصره يوما وهرب أليسع من الليل هو وأصحابه وبنو عمه وخرج أهل البلد إلى أبي عبد الله فجاء إلى مجلس المهدي فأخرجه هو وابنه القاسم وأركبهما ومشى مع رؤساء القبائل بين يديها وهو يقول: هذا مولاكم ويبكي من شدة الفرح ثم إنزله بالمخيم وبعث في أثر أليسع فجيء به فجلد ثم قتل وأقام بسجلماسة أربعين يوما ورجع إلى أفريقية ووصل إلى رقادة في ربيع من سنة ست وتسعين وجدد البيعة للمهدي واستولى على ملك بني الأغلب بأفريقية وملك مدرارسجلماسة ونزل برقادة وتلقب بالمهدي أمير المؤمنين وبعث دعاته في الناس فحملوهم على مذهبهم فأجابوا إلا قليلا عرض عليهم السيف وقسم الأموال والجواري في رجال كتامة وأقطعهم الأموال والأعمال ودون الدواوين وجبى الأموال وبعث العمال على البلاد فبعث على صقلية الحسن بن أحمد بن أبي خنزير فوصل إلى مازر في عيد الأضحى من سنة تسع وتسعين فاستقضى بها إسحق بن المنهال وأجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلى بسط قلورية فأثخن فيها وعاد وثار به أهل صقيلية سنة تسع وتسعين فحبسوه واعتذروا إلى المهدي لسوء سيرته فعذرهم وولى عليهم علي بن عمر البلوي فوصل إليهم خاتمه السنة المذكورة..أخبار ابن الليث بفارس. قد ذكرنا من قبل استيلاء اليث بن علي بن الليث وسيكرى مولى عمر بن الليث على فارس من يد طاهر بن محمد ثم أخرج سيكرى بعد ذلك الليث وانفرد بها وسار إليه طاهر بن محمد بن عمرو فواقعه وانهزم طاهر وأسر سيكرى وأسر أخاه يعقوب وبعث بهما إلى المقتدر مع كاتبه عبد الرحمن بن جعفر الشيرازي وقد أمره على ما يحمله وذلك سنة ست وتسعين ثم سار إليه الليث بن علي من سجستان سنة سبع وتسعين فغلبه وملك فارس وهرب سيكرى إلى أرجان وأمده المقتدر بمؤنس الخادم في العساكر فجاء إلى أرجان الحسين بن حمدان من قم إلى البيضاء في إعانته فسار لملاقاته وأضل الطريق إلى مسالك صعبة أشرف على عسكر مؤنس وكان سيكرى قد بعث أخاه إلى شيراز ليحفظها فلما أشرف على العسكر ظنه عسكر أخيه فثاروا إليه واقتتلوا وانهزم عسكر الليث وأخذ أسيرا وأشار عليه أصحابه أن يقبض على سيكرى ويطلب من المقتدر ولاية فارس مكانه طاهر ودس إليه فلحق بشيراز وعاد مؤنس إلى بغداد بالليث أسيرا والحسين بن حمدان إلى عمله بقم ثم إن عبد الرحمن بن جعفر كاتب سيكرى استولى على أمره وحسده أصحابه وأكثروا السعاية فيه عند سيكرى فحبسه واستكتب مكانه إسمعيل ابن إبراهيم اليمن فحمله على العصيان ومنع الحمل ودس عبد الرحمن بن جعفر من محبسه إلى الوزير ابن الفرات بذلك فكتب إلى مؤنس وهو بواسط يأمره بالعود إلى فارس فسار وأرسله سيكرى وأنسه وسأل منه الوساطة في أمره وشعر ابن الفرات بميل مؤنس إلى بغداد وسار محمد بن جعفر فهزم سيكرى على شيراز فخلص إلى قم وتحصن بها وحاصره محمد بن جعفر ثم خرج إليه فهزمه ثانية ودخل مغارة خراسان فلقيته عساكر إسمعيل إلى بغداد فحسبا هنالك واستولى محمد بن جعفر من القواد على فارس وولى عليها قبيحا خادم الأفشين ثم صارت ولايتها لبدر ابن عبد الله الحمامي وفي آخر سنة تسع وتسعين ومائتين قبض حرمه وقامت الهيعة ببغداد ثلاثة أيام ثم سكنت وذلك لثلاث سنين وثلاثة أشهر من وزارته فاستوزر مكانه أبا علي محمد بن يحيى بن عبيد الله بن يحيى فرتب الأمور على الدواوين ثم زاد قرفه لضيق صدره وطيشه وعدوله عن مذاهب الرياسة إلى الوضاعة ومراجعة أصحاب الحاجات والحقوق إلى ما يريد قضاءه منها وكثرة التولية والعزل وتبجح أصحابه عليه في إطلاق الأموال وانبساط الجاه بإفساد الأحوال واعتزم المقتدر على عزله بأبي الحسين بن أبي الفضل فاستدعاه من أصبهان ثم قبض عليه وعلى أبي الحسن ببغداد وأهمل رأي الوزراء وصار يرجع إلى قول النساء والخدم فطمع العمال في الأطراف ثم أخرج ابن الفرات من محبسه وجعله في بعض الحجر وأحسن إليه وصار يعرض عليه مطالعات العمال وأراد أن يستوزره ثم بدا له واستدعى علي بن عيسى من مكة فاستوزره لأول سنة إحدى وثلثمائة وقبض على الخاقاني وحبسه وعين حرسيا عليه وقام علي بن عيسى بالوزارة وأصلح ما أفسده الخاقاني واستقامت الأمور.
|