الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.هدم دار السلطنة ببغداد وانقراض ملوك السلجوقية. قد ذكرنا فيما تقدم ملك أرسلان شاه بن طغرل ربيب إلدكز واستيلاء إلدكز عليه وحروبه مع ابنايخ صاحب الري ثم قتله سنة أربع وستين واستولى على الري ثم توفي إلدكز الأتابك بهمذان سنة ثمان وستين وقام مكانه ابنه محمد البهلوان وبقي أخوه السلطان أرسلان بن طغرل في كفالته ثم مات سنة ثلاث وستين ونصب البهلوان مكانه ابنه طغرل ثم توفي البهلوان سنة اثنتين وثمانين وفي مملكته همذان والري وأصبهان وأذربيجان وأرانيه وغيرها وفي كفالته السلطان طغرل بن أرسلان ولما مات البهلوان قام مكانه أخوه كزل أرسلان ويسمى عثمان فاستبد طغرل وخرج عن الكفالة ولحق به جماعة من الأمراء والجند واستولى على بعض البلاد ووقعت بينه وبين كزل حروب ثم قوي أمر طغرل وكثر جمعه وبعث كزل إلى الناصر يحذره من طغرل ويستنجده ويبذل الطاعة على ما يختاره المستضيء رسوله فأمر بعمارة دار السلطنة ليسكنها وكانت ولايتهم ببغداد والعراق قد انقطعت منذ أيام المقتفي فأكرم رسول كزل ووعده بالنجدة وانصرف رسول طغرل بغير حراب وأمر الناصر بهدم دار السلطنة ببغداد فمحى أثرها ثم بعث الناصر وزيره جلال الدين أبا المظفر عبيد الله بن يونس في العساكر لإنجاد كزل ومدافعة طغرل عن البلاد فسار لذلك في صفر لسنة أربع وثمانين واعترضهم طغرل على همذان قبل اجتماعهم بكزل واقتتلوا ثامن ربيع وانهزمت عساكر بغداد وأسروا الوزير ثم استولى كزل على طغرل وحبسه ببعض القلاع ودانت له البلاد وخطب لنفسه بالسلطنة وضرب النوب الخمس ثم قتل على فراشه سنة سبع وثمانين ولم يعلم قاتله..استيلاء الناصر على النواحي. توفي الأمير عيسى صاحب تكريت سنة خمس وثمانين قتله إخوته فبعث الناصر العساكر فحصروها حتى فتحوها على الأمان وجاؤا بإخوة عيسى إلى بغداد فسكنوها وأقطع لهم السلطان ثم بعث سنة خمس وثمانين عساكره إلى مدينة غانة فحاصروها مدة وقاتلوها طويلا ثم جهدهم الحصار فنزلوا عنها على الأمان وإقطاع عيونها ووفى لهم الناصر بذلك..نهب العرب البصرة. كانت البصرة في ولاية طغرل مملوك الناصر كان مقطعها واستناب بها محمد بن إسمعيل واجتمع بنو عامر بن صعصعة سنة ثمان وثمانين وأميرهم عميرة وقصدوا البصرة للنهب والعيث وخرج إليهم محمد بن إسمعيل في صفر فقاتلهم سائر يومه ثم ثلموا في الليل ثلما في السور ودخلوا البلد وعاثوا فيها قتلا ونهبا ثم بلغ بني عامر أن خفاجة والمشفق ساروا لقتالهم فرحلوا إليهم وقاتلوهم فهزموهم وغنموا أموالهم وعادوا إلى البصرة وقد جمع الأمير أهل السواد فلم يقوموا للعرب وانهزموا ودخل العرب البصرة فنهبوها ورحلوا عنها..استيلاء الناصر على خوزستان ثم أصبهان والري وهمذان. كان الناصر قد استناب في الوزاة بعد أسر ابن يونس مؤيد الدين أبا عبد الله محمد بن علي المعروف بابن القصاب وكان قد ولي الأعمال في خوزستان وغيرها وله فيها الأصحاب ولما توفي صاحبها شملة واختلف أولاده راسله بعضهم في ذلك فطلب من الناصر أن يرسل معه العساكر ليملكها فأجابه وخرج في العساكر سنة إحدى وتسعين وحارب أهل خوزستان فملك أولا مدينة تستر ثم ملك سائر الحصون والقلاع وأخذ بني شملة ملوكها فبعث بهم إلى بغداد وولى الناصر على خوزستان طاش تكين مجير الدين أمير الحاج ثم سار الوزير إلى جهات الري سنة إحدى وتسعين وجاءه قطلغ ابنايخ بن البهلوان وقد غلبه خوارزم شاه وهزمه عند زنجان وملك الري من يده وجاء قطلغ إلى الوزير مؤيد ورحل معه إلى همذان وبها ابن خوارزم شاه في العساكر فأجفل عنها إلى الري وملك الوزير همذان ورحل في اتباعهم وملك كل بلد مروا بها إلى الري وأجفل عسكر خوارزم إلى دامغان وبسطام وجرجان ورجع الوزير إلى الري فأقام بها ثم انتقض قطلغ بن البهلوان وطمع في الملك فامتنع بالري وحاصره الوزير فخرج عنها إلى مدينة آوه فمنعهم الوزير منها ورحل الوزير في أثرهم من الري إلى همذان وبلغه أن قطلغ قصد مدينة الكرج فسار إليه وقاتله وهزمه ورجع إلى همذان فجاءه رسول خوارزم شاه محمد تكش بالنكير على الوزير في أخذ البلاد ويطلب إعادتها فلم يجبه الوزير إلى ذلك فسار خوارزم شاه إلى همذان وقد توفي الوزير ابن القصاب خلال ذلك في شعبان سنة اثنتين وتسعين فقاتل العساكر التي كانت معه بهمذان وهزمهم وملك همذان وترك ولده بأصبهان وكانوا يبغضون الخوارزمية فبعث صدر الدين الخجندي رئيس الشافعية إلى الديوان ببغداد يستدعي العساكر لملكها فجهز الناصر العساكر مع سيف الدين طغرل يقطع بلد اللحف من العراق وسار فوصل أصبهان ونزل ظاهر البلد وفارقها عسكر الخوارزمية فملكها طغرل وأقام فيها الناصر وكان من مماليك البهلوان ولما رجع خوارزم شاه إلى خراسان واجتمعوا واستولوا على الري وقدموا عليهم كركجه من أعيانهم وساروا إلى أصبهان فوجدوا بها عسكر الناصر وقد فارقها عسكر الخوارزمية فملكوا أصبهان وبعث كركجه إلى بغداد بالطاعة وأن يكون له الري وساوة وقم وقاشان ويكون للناصر أصبهان وهمذان وزنجان وقزوين فكتب له بما طلب وقوي أمره ثم وصل إلى بغداد أبو الهيجاء السمين من أكابر أمراء بني أيوب وكان في إقطاعه بيت المقدس وأعماله فلما ملك العزيز والعادل مدينة دمشق من الأفضل بن صلاح الدين عزلوا أبا الهيجاء عن القدس فسار إلى بغداد فأكرمه الناصر وبعثه بالعساكر إلى همذان سنة ثلاث وتسعين فلقي بها أزبك بن البهلوان وأمير علم وابنه قطلمش وقد كاتبوا الناصر بالطاعة فداخل أمير علم وقبض على أزبك وابن قطلمش بموافقته وأنكر الناصر ذلك على أبي الهيجاء وأمره بإطلاقهم وبعث إليهم بالخلع فلم يأمنوا وفارقوا أبا الهيجاء فخشي من الناصر ودخل إلى إربل لأنه كان من أكرادها ومات قبل وصوله إليها وأقام كركجه ببلاد الجبل واصطنع رفيقه إيدغمش واستخلصه ووثق به فاصطنع إيدغمش المماليك وانتقض عليه آخر المائة السادسة وحاربه فقتله واستولى على البلاد ونصب أزبك بن البهلوان للملك وكفله ثم توفي طاش تكين أمير خوزستان سنة اثنتين وستمائة وولى الناصر مكانه صهره سنجر وهو من مواليه وسار سنجر سنة ثلاث وستمائة إلى جبال تركستان جبال منيعة بين فارس وعمان وأصبهان وخوزستان وكان صاحب هذه الجبال يعرف بأبي طاهر وكان للناصر مولى اسمه قشتمر من أكابر مواليه ساءه وزير الدولة ببعض الأحوال فلحق بأبي طاهر صاحب تركستان فأكرمه وزوجه بابنته ثم مات أبو طاهر فأطاع أهل تلك الولاية قشتمر وملك عليهم وبعث الناصر إلى سنجر صاحب خوزستان يعضده في العساكر فسار إليه وبذل له الطاعة على البعد فلم يقبل منه فلقيه وقاتله فانهزم سنجر وقوي قشتمر على أمره وأرسل إلى ابن دكلا صاحب فارس وإلى إيدغمش صاحب الجبل فاتفق معهما على الامتناع على الناصر واستمر حاله.
|