الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الشحنة ببغداد والخطبة لبركيارق. كان أبو الغازي بن أرتق شحنة ببغداد وولاه عليها السلطان محمد عند استيلائه في المصاف الأول وكان طريق خراسان إليه فعاد بعض الأيام منها إلى بغداد وضرب فارس من أصحابه بعض الملاحين بسهم في ملاحاة وقعت بينهم عند العبور فقتله فثارت بهم العامة وأمسكوا القاتل وجاؤا به إلى باب النوبة في دار الخلافة ولقيهم ولد أبي الغازي فاستنفذه من أيديهم فرجموه وجاء إلى أبيه مستغيثا وركب إلى محلة الملاحين فنهبها وعطف عليه العيارون فقتلوا من أصحابه وركبوا السفين للنجاة فهرب الملاحون وتركوهم فغرقوا وجمع أبو الغازي التركماني لنهب الجانب الغربي فبعث إليه المستظهر قاضي القضاة والكيا الهراسي مدرس النظامية بالامتناع من ذلك فاقتصر أبو الغازي أثناء ذلك متمسكا بطاعة السلطان محمد فلما انهزم محمد وانطلق من حصار أصبهان واستولى بركيارق على الري بعث في منتصف ربيع الأول من سنة ست وتسعين من همذان كمستكين القيصراني شحنة إلى بغداد فلما سمع أبو الغازي بعث إلى أخيه سقمان بحصن كيفا يستدعيه للدفاع وجاءه سقمان ومر بتكريت فنهبها ووصل كمستكين ولقيه شيعة بركيارق وأشاروا عليه بالمعاجلة ووصل إلى بغداد منتصف ربيع وخرج أبو الغازي وأخوه سقمان إلى دجيل ونهبا بعض قراها واتبعهما طائفة من عسكر كمستكين ثم رجعوا عنهما وخطب للسلطان بركيارق ببغداد وبعث كمستكين إلى سيف الدولة صدقة بالحلة عنه وعن المستظهر بطاعة بركيارق فلم يجب وكشف القناع وسار إلى جسر صرصر فقطعت الخطبة على منابر بغداد فلم يذكر أحد عليها من السلاطين واقتصر على الخليفة فقط وبعث سيف الدولة صدقة إلى أبي الغازي وسقمان بأنه جاء لنصرتهما فعادوا إلى دجيل وعاثوا في البلاد واجتمع لذلك حشد العرب والأكراد مع سيف الدولة وبعث إليه المستظهر في الإصلاح وخيموا جميعا بالرملة وقاتلهم العامة وبعث الخليفة قاضي القضاة أبا الحسن الدامغاني وتاج رؤساء الرياسة ابن الموصلايا إلى سيف الدولة بكف الأيدي عن الفساد فاشترطوا خروج كمستكين القيصراني شحنة بركيارق وإعادة الخطبة للسلطان محمد فتم الأمر على ذلك وعاد سيف الدولة إلى الحلة وعاد القيصراني إلى واسط وخطب بها لبركيارق فسار إليه صدقة وأبو الغازي وفارقها القيصراني فاتبعه سيف الدولة ثم استأمن ورجع إليه فأكرمه وخطب للسلطان محمد بواسط وبعده لسيف الدولة وأبي الغازي واستناب كل واحد ولده ورجع أبو الغازي إلى بغداد وسيف الدولة إلى الحلة وبعث ولده منصورا إلى المستظهر يخطب رضاه بما كان منه في هذه الحادثة فأجيب إلى ذلك..استيلاء ينال على الري بدعوة السلطان محمد ومسيره إلى العراق. كانت الخطبة بالري للسلطان بركيارق فلما خرج السلطان محمد من الحصار بأصبهان بعث ينال بن أنوش تكين الحسامي إلى الري ليقيم الخطبة له بها فسار ومعه أخوه علي وعسف الرعايا ثم بعث السلطان بركيارق إليه برسق بن برسق في العساكر فقاتله على الري وانهزم ينال وأخوه منتصف ربيع من سنة ست وتسعين وذهب علي إلى قزوين وسلك ينال على الجبال إلى بغداد وتقطع أصحابه في الأوغار وقتلوا ووصل إلى بغداد في سبعمائة رجل وأكرمه المستظهر واجتمع هو أبو الغازي وسقمان ابنا أرتق بمشهد أبي حنيفة فاستحلفوه على طاعة السلطان محمد وساروا إلى سيف الدولة صدقة واستحلفوه على ذلك واستقر ينال ببغداد في طاعة السلطان محمد وتزوج أخت أبي الغازي كانت تحت تاج الدولة تتش وعسف بالناس وصادر العمال واستطال أصحابه على العامة بالضرب والقتل وبعث إليه المستظهر مع القاضي الدامغاني بالنهي عن ذلك وتقبيح فعله ثم مع إيلغازي فأجاب وحلف على كف أصحابه ومنعهم واستمر على قبح السيرة فبعث المستظهر إلى سيف الدولة صداقة يستدعيه لكف عدوانه فجاء إلى بغداد في شوال من سنة ست وتسعين وخيم بالمنجمي ودعا ينالا للرحلة عن العراق على أن يدفع إليه وعاد إلى الحلة وسار ينال مستهل ذي القعدة إلى أوانا ففعل من النهب والعسف أقبح مما فعل ببغداد فبعث المستظهر إلى صدقة في ذلك فأرسل ألف فارس وساروا إليه مع جماعة من أصحاب المستظهر وأبي الغازي الشحنة وذهب ينال أمامهم إلى أذربيجان قاصدا إلى السلطان محمد ورجع أبو الغازي والعساكر عنه..المصاف الخامس بين السلطانين. كانت كنجة وبلاد أرزن للسلطان محمد وعسكره مقيم بها مع الأمير عزعلي فلما طال حصاره وبأصبهان جاؤوا لنصرته ومعهم منصور بن نظام الملك ومحمد بن أخيه مؤيد الملك ووصلوا إلى الري آخر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وفارقه عسكر بركيارق ثم خرج محمد من أصبهان فساروا إليه ولقوه بهمذان ومعه ينال وعلي ابنا أنوش تكين فاجتمعوا في ستة آلاف فارس وسار ينال وأخوه على الري وأزعجتهم عنها عساكر بركيارق كما مر ثم جاءهم الخبر في همذان بزحف بركيارق إليهم فسار محمد إلى بلاد شروان ولما انتهى إلى أردبيل بعث إليه مودود بن إسمعيل ابن ياقوتي وكان أميرا على بيلقان من أذربيجان وكان أبوه إسمعيل خال بركيارق وانتقض عليه أول أمره فقتله فكان مودود يطالبه بثأر أبيه وكانت أخته تحت محمد فبعث إليه وجاءه إلى بيلقان وتوفي مودود أثر قدومه منتصف ربيع من سنة ست وتسعين فاجتمع عسكره على الطاعة لمحمد وفيهم سقمان القطبي صاحب خلاط وأرمينية ومحمد بن غاغيسا كان أبوه صاحب أنطاكية وكان ألب أرسلان ابن السبع الأحمر ولما بلغ بركيارق إجتماعهم لحربه أغذ السير إليهم فوصل وقاتلهم على باب خوي من أذربيجان من المغرب إلى العشاء ثم حمل أياز من أصحاب بركيارق على عسكر محمد فانهزموا وسار إلى خلاط ومعه سقمان القطبي ولقيه الأمير علي صاحب أرزن الروم ثم سار إلى وبها منوجهر أخو فضلون الروادي ثم سار إلى تبريز ولحق محمد بن مؤيد الملك بديار بكر وسار منها إلى بغداد وكان من خبره أنه كان مقيما ببغداد مجاورا للمدرسة النظامية فشكا الجيران منه إلى أبيه فكتب إلى كوهرابين بالقبض عليه فاستجار بدار الخلافة ثم سار سنة اثنتين وتسعين إلى محمد الملك الباسلاني وأبوه حينئذ بكنجة عند السلطان محمد قبل أن يدعو لنفسه ثم سار بعد أن قتل محمد الملك إلى والده مؤيد الملك وهو وزير السلطان محمد ثم قتل أبوه واتصل هو بالسلطان وحضر هذه الحروب كما ذكرنا وأما السلطان بركيارق بعد هزيمة محمد فإنه نزل جبلا بين مراغة وتبريز وأقام به حولا وكان خليفة المستظهر سديد الملك أبو المعالي كما ذكرناه ثم قبض عليه منتصف رجب سنة ست وتسعين وحبس بدار الخليفة مع أهله كانوا قد وردوا عليه من أصبهان وسبب عزله جهله بقواعد ديوان الخلافة لأنه كان يتصرف في أعمال السلاطين وليست فيها هذه القوانين ولما قبض عاد أمين الدولة أبو سعد ابن الموصلايا إلى النظر في الديوان وبعث المستظهر عن زعيم الرؤساء أبي القاسم بن جهير من الحلة وكان ذهب إليها في السنة قبلها مستجيرا بسيف الدولة صدقة لأن خاله أمين الدولة أبا سعد بن الموصلايا كان الوزير الأعز وزير بركيارق يشيع عنه أنه الذي يحمل المستظهر على موالاة السلطان محمد والخطبة له دون بركيارق فاعتزل أمين الدولة الديوان وسار ابن أخته هذا أبو القاسم بن جهير مستجيرا بصاحب الحلة فاستقدمه الخليفة الآن وخرج أرباب الدولة لاستقباله وخلع عليه للوزارة ولقيه قوام الدولة ثم عزله على رأس المائة الخامسة واستجار سيف الدولة صدقة بن منصور ببغداد فأجاره وبعث عنه إلى الحلة وذلك لثلاث سنين ونصف من وزارته وناب في مكانه القاضي أبو الحسن بن الدامغاني أياما ثم استوزر مكانه أبا المعالي بن محمد بن المطلب في المحرم سنة إحدى وخمسمائة ثم عزله سنة اثنتين بإشارة السلطان محمد وأعاده بإذنه على شرطيه العدل وحسن السيرة وأن لا يستعمل أحدا من أهل الذمة ثم عزل في رجب من سنة اثنتين وخمسين واستوزر أبا القاسم بن جهير سنة تسع وخمسين واستوزر بعده الربيع أبا منصور بن الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين وزير السلطان.
|