الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الصلح بين السلطانين بركيارق ومحمد. ولما تطاولت الفتنة بين السلطانين وكثر النهب والهرج وخربت القرى واستطال الأمر عليهم وكان السلطان بركيارق بالري والخطبة له بها وبالجبل وطبرستان وخوزستان وفارس وديار بكر والجزيرة والحرمين وكان السلطان محمد بأذربيجان والخطبة له بها وببلاد أران وأرمينية وأصبهان والعراق جميعه إلا تكريت وأما البطائح فبعضها لهذا وبعضها لهذا والخطبة بالبصرة لهما جميعا وأما خراسان من جرجان إلى ما وراء النهر فكان يخطب فيها لسنجر بعد أخيه السلطان محمد فلما استبصر بركيارق في ذلك ورأى تحكم الأمراء عليه وقلة المال جنح إلى الصلح وبعث القاضي أبا المظفر الجرجاني الحنفي وأبا الفرج أحمد بن عبد الغفار الهمذاني المعروف بصاحب قراتكين إلى أخيه محمد في الصلح فوصلا إليه بمراغة وذكراه ووعظاه فأجاب إلى الصلح على أن السلطان لبركيارق ولا يمنع محمدا من اتخاذ الآلة ولا يذكر أحد منهما مع صاحبه في الخطبة في البلاد التي صارت إليه وتكون المكاتبة من وزيريهما في الشؤن لا يكاتب أحدهما الآخر ولا يعارض أحد من العسكر في الذهاب إلى أيهما شاء ويكون للسلطان محمد من نهر استبدرو إلى الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام وأن يدخل سيف الدولة صدقة بأعماله في خلفه وبلاده والسلطنة كلها وبقية الأعمال والبلاد كلها للسلطان بركيارق وبعث محمد إلى أصحابه بأصبهان بالإفراج عنها لأصحاب أخيه وجاؤا بحريم محمد إليه بعد أن دعاهم السلطان بركيارق إلى خدمته فامتنعوا فأكرمهم وحمل حريم أخيه وزودهم بالأموال وبعث العساكر في خدمتهم ثم بعث السلطان بركيارق إلى المستظهر بما استقر عليه الحال في الصلح بينهم وحضر أبو الغازي بالديوان وهو شحنة محمد وشيعته إلا أنه وقف مع الصلح فسأل الخطبة لبركيارق فأمر بها المستظهر وخطب له على منابر بغداد وواسط في جمادى سنة سبع وتسعين ونكر الأمير صدقة صاحب الحلة الخطبة لبركيارق وكان شيعة لمحمد وكتب إلى الخليفة بالنكير على أبي الغازي وأنه سائر لإخراجه عن بغداد فجمع أبو الغازي التركمان وفارق بغداد إلى عقرقوبا وجاء سيف الدولة صدقة ونزل مقابل التاج وقبل الأرض وخيم بالجانب الغربي وأرسل إليه أبو الغازي يعتذر عن طاعة بركيارق بالصلح الواقع وأن إقطاعه بحلوان في جملة بلاده التي وقع الصلح عليها وبغداد التي هو شحنه فيها قد صارت له فقبل ورضي وعاد إلى الحلة وبعث المستظهر في ذي القعدة من سنة سبع وتسعين الخلع للسلطان بركيارق والأمير أياز والخطير وزير بركيارق وبعث معهما العهد له بالسلطنة واستحلفه الرسل على طاعة المستظهر ورجعوا..وفاة السلطان بركيارق وملك ابنه ملك شاه. كان السلطان بركيارق بعد الصلح وانعقاده أقام بأصبهان أشهرا وطرقه المرض فسار إلى بغداد فلما بلغ بلد يزدجرد اشتد مرضه وأقام بها أربعين يوما حتى أشفى على الموت فأحضر ولده ملك شاه وجماعة الأمراء وولاه عهده في السلطنة وهو ابن خمس سنين وجعل الأمير أياز أتابكه وأوصاهم بالطاعة لهما واستحلفهم على ذلك وأمرهم بالمسير إلى بغداد وتخلف عنهم ليعود إلى أصبهان فتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وبلغ الخبر إلى ابنه ملك شاه والأمير أياز على إثني عشر فرسخا من بلد يزدجرد فرجعوا وحضروا لتجهيزه وبعثوا به إلى أصبهان للدفن بها في تربة أعدها وأحضر أياز السرادقات والخيام والخفر والشمسة وجميع آلات السلطنة فجعلها الملك شاه وكان أبو الغازي شحنة ببغداد وقد حضر عند السلطان بركيارق بأصبهان في المحرم وحثه على المسير إلى بغداد فلما مات بركيارق سار مع ابنه ملك شاه والأمير أياز ووصلوا بغداد منتصف ربيع الآخر في خمسة آلاف فارس وركب الوزير أبو القاسم علي بن جهير لتلقيهم فلقيهم بديالى وأحضر أبو الغازي والأمير طما يدل بالديوان وطلبوا الخطبة لملك شاه بن بركيارق فأجاب المستظهر إلى ذلك وخطب له ولقب بألقاب جده ملك شاه ونثرت الدنانير عند الخطبة.
|