الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الصوائف أيام المتقي. خرج الروم سنة ثلاثين أيام المتقي وانتهوا إلى قرب حلب فعاثوا في البلاد وبلغ سبيهم خمسة آلاف وفيها دخل ثمل من ناحية طرسوس فعاث في بلاد الروم وامتلأت أيدي عسكره من الغنائم وأسر عدة من بطارقتهم وفي سنة إحدى وثلاثين بعث ملك الروم إلى المتقي يطلب منه منديلا في بيعة الرها زعموا أن المسيح مسح به وجهه فارتسمت فيه صورته وأنه يطلق فيه عددا كثيرا من أسرى المسلمين واختلف الفقهاء والقضاة في إسعافه بذلك وفيه غضاضة أو منعه ويبقى المسلمون بحال الأسر فأشار عليه علي ابن عيسىبإسعافه لخلاص المسلمين فأمر المتقي بتسلميه إليه وبعث إلى ملك الروم من يقوم بتسليم الأسرى وفي سنة اثنتين وثلاثين خرجت طوارق من الروس في البحر إلى نواحي أذربيجان ودخلوا في نهر اللكز إلى بردعه وبها نائب المرزبان ابن محمد بن مسافر ملك الديلم بأذربيجان فخرج في جموع الديلم والمطوعة فقتلوهم وقاتلوهم فهزموهم الروس وملكوا البلد وجاءت العساكر الإسلامية من كل ناحية لقتالهم فامتنعوا بها ورماهم بعض العامة بالحجارة فأخرجوهم من البلد وقاتلوا من بقي وغنموا أموالهم واستبدوا بأولادهم ونسائهم واستنفر المرزبان الناس وزحف إليهم في ثلاثين ألفا فقاتلوهم فامتنعوا عليه فأكمن لهم بعض الأيام فهزمهم وقتل أميرهم ونجا الباقون إلى حصن البلد وحاصرهم المرزبان وصابرهم ثم جاءه الخبر بأن أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان بلغ سلماس موجها إلى أذربيجان بعثه إليها ابن عمه ناصر الدولة ليتملكها فجهز عسكرا لحصار الروس في بردعة وسار إلى قتال ابن حمدان فارتحل ابن حمدان راجعا إلى ابن عمه باستدعائه بالإنحدار إلى بغداد لما مات تورون وأقام العسكر على حصار الروس ببردعة حتى هربوا من البلد وحملوا ما قدروا عليه وطهر الله البلد منهم وفيها ملك الروم رأس عين واستباحوها ثلاثا وقاتلهم الأعراب ففارقوها..الولايات أيام المتقي. قد تقدم لنا أنه لم يكن بقي في تصريف الخليفة إلا أعمال الأهواز والبصرة وواسط والجزيرة والموصل لبني حمدان واستولى معز الدولة على الأهواز ثم على واسط وبقيت البصرة بيد أبي عبد الله بن البريدي واستولى على بغداد مع المتقي يحكم ثم ابن البريدي ثم تورتكين الديلمي ثم ابن رائق ثانية ثم ابن البريدي ثانية ثم حمدان ثم تورون يختلفون على المتقي واحدا بعد واحد وهو مغلب لهم والحل والعقد والإبرام والنقض بأيديهم ووزير الخليفة عامل من عمالهم متصرف تحت أحكامهم وآخر من دبر الأمور أبو عبد الله الكوفي كاتب تورون وكان قبله كاتب ابن رائق وكان الحجبة بدر بن الجرسي فعزل عنها سنة ثلاثين وجعل مكانه سلامة الطولوني وولي بدر طريق الفرات ففرع إلى الاخشيد واستأمن إليه فولاه دمشق وكان من المستبدين في النواحي يوسف بن وجيه وكان صاحب الشرطة ببغداد أبا العباس الديلمي..خلع المتقي وولاية المستكفي. لم يزل المتقي عند بني حمدان من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين إلى آخر السنة ثم آنس منهم الضجر واضطر لمراجعة تورون فأرسل إليه الحسن بن هرون وأبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي في الصلح وكتب إلى الأخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فجاءه وانتهى إلى حلب وبها أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمه ناصر الدولة فارتحل عنها وتخلف عنه ابن مقاتل وقد كان صادره ناصر الدولة على خمسين ألف دينار فاستقدم الأخشيد وولاه خراج مصر وسار الأخشيد من حلب ولقي المتقي بالرقة وأهدى إليه والي الوزير بن الحسين بن مقلة وسائر الحاشية واجتهد به أن يسير معه إلى مصر ليقيم خلافته هنالك فأبى فخوفه من تورون فلم يقبل وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر فيحكمه في البلاد فأبى وكانوا ينتظرون عود رسلهم من تورون فبعثوا إليهم بيمين تورون والوزير ابن شيرزاد بمحضر القضاة والعدول والعباسيين والعلويين وغيرهم من طبقات الناس وجاء الكتاب بخطوطهم بذلزك وتأكيد اليمين ففارق المتقي الأخشيد وانحدر من الوقت في الفرات آخر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ولقيه تورون بالسندية فقبل الأرض وقال: قد وفيت بيميني! ووكل به وبأصحابه وأنزله في خيمته ثم سمله لثلاث سنين ونصف من خلافته وأحضر أبا القاسم عبد الله بن المكتفي فبايعه الناس على طبقاتهم ولقب المستكفي وجيء بالمتقي فبايعه وأخذت منه البردة والقضيب واستوزر أبا الفرج محمد بن علي السامري فكان له اسم الوزارة على سنن من قبله والأمور راجعة لابن شيرزاد كاتب تورون ثم خلع المستكفي على تورون وتوجه وحبس المتقي وطلب أبا القاسم الفضل بن المقتدر الذي لقب فيما بعد بالمطيع فاختفى سائر أيامه وهدمت داره.
|