الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مقتل نظام الملك وأخباره. كان من أبناء الدهاقين بطوس أبو علي الحسين بن علي بن إسحق فشب وقرأ بها وسمع الحديث الكبير وتعلق بالأحكام السلطانية وظهرت فيها كفايته وكان يعرف بحسن الطوسي وكان أميره الذي يستخدمه يصادره كل سنة فهرب منه إلى داود وحفري بك وطلبه مخدومه الأمير فمنعه وخدم أبا علي بن شادان متولي الأعمال ببلخ لحفري بك أخي السلطان طغرلبك وهو والد السلطان ألب أرسلان ولما مات أبو علي وقد عرف نظام الملك هذا بالكفاية والأمانة أوصى به ألب أرسلان فأقام بأمور دولته ودولة ابنه ملك شاه من بعده وبلغ المبالغ كما مر واستولى على الدولة وولى أولاده الأعمال وكان فيمن ولاه منهم ابن ابنه عثمان جمال وولى على مرو وبعث السلطان إليها شحنة من أعظم أمرائه وقع بينه وبين عثمان نزاع فحملته الحداثة والإدلال بجاهه على أن قبض على الأمير وعاقبه فانطلق إلى السلطان مستغيثا وامتعض لها السلطان وبعث إلى نظام الملك بالنكير مع خواصه وثقاته فحملته الدالة على تحقيق تعديد حقوقه على السلطان وإطلاق القول في العتاب والتهديد بطوارق الزمن وأرادوا طي ذلك عن السلطان فوشى به بعضهم فلما كان رمضان من سنة خمس وثمانين والسلطان على نهاوند عائدا من أصبهان إلى بغداد وقد انصرف الملك يومه ذلك من خيمة السلطان إلى خيمته فاعترضه صبي قيل إنه من الباطنة في صورة مستغيث فطعنه بسكينة فمات وهرب الصبي فأدرك وقتل وجاء السلطان إلى خيمة نظام الملك يومه وسكن أصحابه وعسكره وذلك لثلاثين سنة من وزارته سوى ما وزر لأبيه ألب أرسلان أيام إمارته بخراسان..وفاة السلطان ملك شاه وملك ابنه محمود. لما قتل نظام الملك على نهاوند كما ذكرناه سار السلطان لوجهه ودخل بغداد آخر رمضان من سنته ولقيه الوزير عميد الدولة بن جهير واعتزم السلطان أن يولي وزارته تاج الملك وهو الذي سعى بنظام الملك وكانت قد ظهرت كفايته فلما صلى السلطان العيد عاد إلى بيته وقد طرقه المرض وتوفي منتصف شوال فكتمت زوجته تركمان خاتون موته وأنزلت أموالها وأموال أهل الدولة بحريم دار الخلافة وارتحلت إلى أصبهان وسلوا السلطان معها في تابوته وقد بذلت الأموال للأمراء على طاعة ابنها محمود والبيعة له فبايعوه وقدمت من طريق قوام الدولة كربوقا الذي ملك الموصل من بعد ذلك فسار بخاتم السلطان لنائب القلعة وتسلمها ولما بايعت لولدها محمود وعمره يومئذ أربع سنين بعثت إلى الخليفة المقتدي في الخطبة له فأجابها على شرط أن يكون أنز من أمراء أبيه هو القائم بتدبير الملك وأن يصدر عن رأى الوزير تاج الملك ويكون له ترتيب العمال وجباية الأموال فأبت أولا من قبول هذا الشرط حتى جاءها الإمام أبو حامد الغزالي وأخبرها أن الشرع لا يجير تصرفاته فأذعنت لذلك فخطب لابنها آخر شوال من السنة ولقب ناصر الدولة والدين وكتب إلى الحرمين الشريفين فخطب له بهما..ثورة بركيارق بملك شاه. كانت تركمان خاتون عند موت السلطان ملك شاه قد كتمت موته وبايعت لابنها محمود كما قلناه وبعثت إلى أصبهان سرا في القبض على بركيارق ابن السلطان ملك شاه خوفا من أن ينازع ابنها محمودا فحبس فلما ظهر موت ملك شاه وثب مماليك بركيارق ونظام الملك على سلاح كان له بأصبهان وثاروا في البلد وأخرجوا بركيارق في محبسه وبايعوه وخطبوا له بأصبهان وكانت أمه زبيدة بنت عم ملك شاه وهو ياقولي خائفة على ولدها من خاتون أم محمود وكان تاج الملك قد تقدم إلى أصبهان وطالبه العسكر بالأموال فطلع إلى بعض القلاع لينزل منها المال وامتنع منها خوفا من مماليك نظام الملك ولما وصلت تركمان خاتون إلى أصبهان جاءها فقبلت عذره وكان بركيارق لما أقامت خاتون ابنها محمودا بأصبهان خرج فيمن معه من النظامية إلى الري واجتمع معه بعض أمراء أبيه وبعثت خاتون العساكر إلى قتاله وفيهم أمراء ملك شاه فلما تراءى الجمعان هرب كثير من الأمراء إلى بركيارق واشتد القتال فانهزم عسكر محمود وخاتون وعادوا إلى أصبهان وسار بركيارق في أثرهم فحاصرهم بها.
|