الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مقتل أحمد بن نصر. وهو أحمد بن مالك وهو أحد النقباء كما تقدم وكان أحمد هذا نسيبة لأهل الحديث ويغشاه جماعة منهم مثل ابن حصين وابن الدورقي وأبي زهير ولقن منهم النكير على الواثق بقوله بخلق القرآن ثم تعدى ذلك إلى الشتم وكان ينعته بالخنزير والكافر وفشا ذلك عنه وانتدب رجلان ممن كان يغشاه هما أبو هرون السراج وطالب وغيرهما فدعوا الناس له وبايعه خلق على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفرقوا الأموال في الناس دينارا لكل رجل وأنفذوا لثلاث تمضي من شعبان من سنة احدى وثلاثين يظهرون فيها دعوتهم واتفق أن رجالا ممن بايعهم من بني الأشرس جاؤا قبل الموعد بليلة وقد نال منهم السكر فضربوا الطبل وصاحب الشرطة إسحق بن إبراهيم غائب فارتاع خليفة محمد أخوه فأرسل من يسأل عن ذلك فلم يوجد أحد وأتوه برجل أعور اسمه عيسى وجدوه في الحمام فدلهم على بني الأشرس وعلى أحمد بن نصر وعلى أبي هرون وطالب ثم سيق خادم أحمد بن نصر فذكر القصة فقبض عليه وبعث بهم جميعا إلى الواثق بسامرا مقيدين وجلس لهم مجلسا عاما وحضر فيه أحمد بن أبي دؤاد ولم يسأله الواثق عن خروجه وإنما سأله عن خلق القرآن فقال: هو كلام الله ثم سأله عن الرؤية فقال: جاءت بها الأخبار الصحيحة ونصيحتي أن لا يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سأل الواثق العلماء حوله عن أمره فقال عبد الرحمن بن إسحق قاضي الجانب الغربي: هو حلال الدم! وقال ابن أبي دؤاد: هو كافر يستتاب فدعا الواثق بالصمصامة فانتضاها ومشى إليه فضربه على حبل عاتقه ثم على رأسه ثم وخزه في بطنه ثم أجهز سيما الدمشقي عليه وحزوا لرأسه ونصب ببغداد وصلب شلوه عنده بابها..الفداء والصائفة. وفي سنة احدى وثلاثين عقد الواثق لأحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة على الثغور والعواصم وأمره بحضور الفداء هو وجانمان الخادم وأمرهما أن تمتحن الأسرى باعتقاد القرآن والرؤية وجاء الروم بأسراهم والمسلمون كذلك والتقوا على نهر اللامس على مرحلة من طرطوس وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربعة وستين والنساء والصبيان ثمانمائة وأهل الذمة مائة فلما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن مسلم شاتيا وأصاب الناس ثلج ومطر وهلك منهم مائة نفس وأسر منهم نحوها وخرق بالنيل قرون خلق ولقيه بطريق من الروم فخام عن لقائه ثم غنم ورجع فعزله الواثق وولى مكانه نصر بن حمزة الخزاعي..وفاة الواثق وبيعة المتوكل. وتوفي الواثق أبو جعفر هرون بن المعتصم محمد لست بقين من سنة اثنتين وثلاثين وكانت علته الاستسقاء وأدخل في تنور مسجر فلقي خفة ثم عاوده في اليوم الثاني أكثر من الأول فأخرج في محفة فمات فيها ولم يشعروا به وقيل إن ابن أبي دؤاد غمضه ومات لخمس سنين وتسعة أشهر وخلافته وحضر في الداد أحمد بن أبي دؤاد وإتياخ ووصيف وعمر بن فرح وابن الزيات وأراد البيعة لمحمد بن واثق وهو غلام إمر فألبسوه فإذا هو قصير فقال وصيف: أما تتقون الله تولون الخلافة مثل هذا! ثم تناظروا فيمن يولونه وأحضروا المتوكل فألبسه ابن أبي دؤاد الطويلة وعممه وسلم عليه بإمارة المؤمنين ولقبه المتوكل وصلى على الواثق ودفنه ثم وضع العطاء للجند لثمانية أشهر وولى على بلاد فارس إبراهيم بن محمد بن مصعب وكان على الموصل غانم بن محمد الطويس فأقره وعزل ابن العباس محمد بن وصول عن ديوان النفقات وعقد لابنه المنتصر على الحرمين واليمن والطائف..نكبة الوزير ابن الزيات ومهلكه. كان محمد بن عبد الملك بن الزيات قد استوزره الواثق فاستمكن من دولته وغلب على هؤلاء وكان لا يحفل بالمتوكل ولا يوجب حقه وغضب الواثق عليه مرة فجاء إلى ابن الزيات ليستنزله فأساء معاملته في التحية والملاقاة فقال: اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك وقام عنه حزينا فجاء إلى القاضي أحمد بن دؤاد فلم يدع شيئا من البر إلا فعله وحياه وفداه وخطب حاجته فقال: أحب أن ترضى عني أمير المؤمنين فقال: أفعل ونعمة عين! ولم يزل بالواثق حتى رضي عنه وكان ابن الزيات كتب إلى الواثق عندما خرج عنه المتوكل أن جعفرا أتاني فسأل الرضا عنه وله وفرة شبه زي المخنثين فأمره الواثق أن يحضره من شعر قفاه فاستحضره فجاء يظن الرضا عنه وأمر حجاما أخذ من شعره وضرب به وجهه فحقد له ذلك وأساء له ولما ولي الخلافة بقي شهرا ثم أمر إيتاخ أن يقبض عليه ويقيده بداره ويصادره وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين فصادره واستصفى أمواله وأملاكه وسلط عليه أنواع العذاب ثم جعله في تنور خشب في داخله مسامير تمنع من الحركة وتزعج من فيه لضيقه ثم مات منتصف ربيع الأول وقيل إنه مات من الضرب وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله وكان عمر بن الفرح الرحجي يعامل المتوكل بمثل ذلك فحقد له ولما استخلف قبض عليه في رمضان واستصفى أمواله ثم صودر على أحد عشرة ألف ألف.
|