الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وفاة السلطان طغرلبك وملك ابن أخيه داود. ثم سار السلطان طغرلبك من بغداد في ربيع الآخر إلى بلد الجبل فلما وصل الري أصابه المرض وتوفي ثامن رمضان من سنة خمس وخمسين وبلغ خبر وفاته إلى بغداد فاضطربت واستقدم القائم مسلم بن قريش صاحب الموصل ودبيس بن مزيد وهزارشب صاحب الأهواز وبني ورام وبدر بن مهلهل فقدموا وأقام أبو سعد الفارسي ضامن بغداد سورا على قصر عيسى وجمع الغلال وخرج مسلم بن قريش من بغداد فنهب النواحي وسار دبيس بن مزيد وبنو خفاجة وبنو ورام والأكراد لقتاله ثم استتيب ورجع إلى الطاعة وتوفي أبو الفتح بن ورام مقدم الأكراد والجاوانية وحمل العامة السلاح لقتال الأعراب فكانت سببا لكثرة الذعار ولما مات طغرلبك بايع عميد الدولة الكندري بالسلطنة لسليمان بن داود وجعفر بك وكان ربيب السلطان طغرلبك خلف أخاه جعفر بك داود على أمه وعهد إليه بالملك فلما خطب له اختلف عليه الأمر وسار باغي سيان وأرذم إلى قزوين فخطب لأخيه ألب أرسلان وهو محمد بن داود وهو يومئذ صاحب خراسان ووزيره نظام الملك سار إلى المذكور وسأل الناس إليه وشعر الكندري باختلال أمره فخطب بالري للسلطان ألب أرسلان وبعده لأخيه سليمان وزحف ألب أرسلان في العساكر من خراسان إلى الري فلقيه الناس جميعا ودخلوا في طاعته وجاء عميد الملك الكندري إلى وزيره نظام الملك فخدمه وهاداه فلم يغن عنه وخشي السلطان غائلته فقبض عليه سنة ست وخمسين وحبسه بمرو الروذ ثم بعث بعد سنة من محبسه بقتله في ذي الحجة من سنة سبع وخمسين وكان من أهل نيسابور كاتبا بليغا فلما ملك طغرلبك نيسابور وطلب كاتبا فدله عليه الموفق والد أبي سهل فاستكتبه واستخلصه وكان خصيا يقال إن طغرلبك خصاه لأنه تزوج بامرأة خطبها له وغطى عليه فظفر به فحاصره وأقره على خدمته وقيل أشاع عند أعدائه أنه تزوجها ولم يكن ذلك فخصى نفسه ليأمن من غائلته وكان شديد التعصب على الشافعية والأشعرية واستأذن السلطان في لعن الرافضة على منابر خراسان ثم أضاف إليهم الأشعرية فاستعظم ذلك أئمة السنة وفارق خراسان أبو القاسم القشيري ثم ابو المعالي إلى مكة فأقام أربعة سنين يتردد بين الحرمين يدرس ويفتي حتى لقب إمام الحرمين فلما جاء دولة ألب أرسلان أحضرهم نظام الملك وزيره فأحسن إليهم وأعاد السطان ألب أرسلان السيدة بنت الخليفة التي كانت زوجة طغرلبك إلى بغداد وبعث في خدمتها الأمير أيتكين السليماني وولاه شحنة ببغداد وبعث معها أيضا أبا سهل محمد بن هبة الله المعروف بابن الموفق لطلب الخطبة ببغداد فمات في طريقه وكان من رؤساء الشافعية بنيسابور وبعث السلطان مكانه العميد أبا الفتح المظفر بن الحسين فمات أيضا في طريقه فبعث وزيره نظام الملك وخرج عميد الملك ابن الوزير فخر الدولة بن جهير لتلقيهم وجلس لهم القائم جلوسا فخما في جمادى الأولى من سنة ست وخمسين وساق الرسل بتقليد ألب أرسلان السلطنة وسلمت إليهم الخلع بمشهد من الناس ولقب ضياء الدولة وأمر بالخطبة له على منابر بغداد وأن يخاطب بالولد المؤيد حسب اقتراحه فأرسل إلى الديوان لأخذ البيعة النقيب طراد الزينبي فأرسل إليه بنقجوان من أذربيجان وبايع وانتقض على السلطان ألب أرسلان من السلجوقية صاحب هراة وصغانيان فسار إليهم وظفر بهم كما نذكر في أخبارهم ودولتهم عند إفرادها بالذكر انتهى..فتنة قطلمش والجهاد بعدها. كان قطلمش هذا من كبار السلجوقية وأقربهم نسبا إلى السلطان طغرلبك ومن أهل بيته وكان قد استولى على قومة واقصراي وملطية وهو الذي بعثه السلطان طغرلبك أول ما ملك بغداد سنة تسع وأربعين لقتال البساسيري وقريش بن بدران صاحب الموصل ولقيهم على سنجار الري فجهز ألب أرسلان العساكر من نيسابور في المحرم من سنة سبع وخمسين وساروا على المفارقة فسبقوا قطلمش إلى الري وجاء كتاب السلطان إليه ولقيه فلم يثبت ومضى منهزما واستباح السلطان عسكره قتلا وأسرا وأجلت الواقعة عنه قتيلا فحزن له السلطان ودفنه ثم سار إلى بلاد الروم معتزما على الجهاد ومر بأذربيجان ولقيه طغرتكين من أمراء التركمان في عشيرة وكان ممارسا للجهاد فحثه على قصده وسلك دليلا بين يديه فوصل إلى نجران على نهر أرس وأمر بعمل السفن لعبوره وبعث عساكر لقتال خوي وسلماس من حصون أذربيجان وسار هو في العساكر فدخل بلاد الكرخ وفتح قلاعها واحدة بعد واحدة كما نذكر في أخبارهم ودوخ بلادهم وأحرق مدنهم وحصونهم وسار إلى مدينة آي من بلاد الديلم فافتتحها وأثخن فيها وبعث بالبشائر إلى بغداد وصالحه ملك الكرخ على الجزية ورجع إلى أصبهان ثم سار منها إلى كرمان فأطاعه أخوه قاروت بن داود جعفر بك ثم سار إلى مرو وأصهر إليه خاقان ملك ما وراء النهر بابنته لابنه ملكشاه وصاحب غزنة بابنته لابنه الآخر انتهى.
|