الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.هزيمة هرون الشاري ومهلكه. كان المعتضد قد ترك بالموصل نصر القسروي لإعادته العمال على الجباية وخرج بعض العمال لذلك فأغارت عليهم طائفة من أصحاب هرون الشاري وقتل بعضهم فكثر عيث الخوارج وكتب القسروي إلى هرون يهدده فأجابه وأساء في الرد وعرض بذكر الخليفة فبعث نصر بالكتاب إلى المعتضد فأمره بالجد في طلب هرون وكان على الموصل يكتم طاتشمر من مواليهم فقبض عليه وقيده وولى على الموصل الحسن كورة وأمر ولاة الأعمال بطاعته فجمعهم وعسكر بالموصل وخندق على عسكره إلى أن أوقع بالناس غلاتهم ثم سار إلى الخوارج وعبر الزاب إليهم فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم وقتل منهم وافترقوا وسار الكثير منهم إلى أذربيجان ودخل هرون البرية واستأمن وجوه أصحابه إلى المعتضد فأمنهم ثم سار المعتضد سنة ثلاث وثمانين في طلب هرون فانتهى إلى تكريت وبعث الحسين بن حمدون في عسكر نحو ثلثمائة فارس واشترط إن جاء به إطلاق ابنه حمدان! وسار معه وصيف وانتهى إلى بعض مخايض دجلة فأرصد بها وصيفا وقال: لا تفارقوها حتى تروني! ومضى في طلبه فواقعه وهزمه وقتل من أصحابه وأقام وصيف ثلاثة أيام فأبطأ عليه الأمر فسار في اتباع ابن حمدان وجاء هرون منهزما إلى تلك المخاضة فعبر وابن حمدان في أثره إلى حي من أحياء العرب قد اجتاز بهم هرون فدلوا ابن حمدان عليه فلحقه وأسره وجاء به إلى المعتضد فرجع المعتضد آخر ربيع الأول وخلع على الحسين وأخوته وطوقه وأدخل هرون على الفيل وهو ينادي: لا حكم إلالله ولو كره المشركون وكان صغديا ثم أمر المعتضد بحل القيود عن حمدان ابن حمدون والإحسان إليه وباطلاقه وفي سنة اثنتين سار المعتضد من الموصل إلى الجبل فبلغ الكرخ فهرب عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بين يديه فأخذ أمواله وبعث إليه في طلب جد كان عنده فوجهه إليه ثم بعث المعتضد وزيره عبيد الله بن سليمان إلى ابنه بالري ليسير من هناك إلى عمر بن عبد العزيز بالأمان فسار وأمنه ورجع إلى الطاعة فخلع عليه وعلى أهل بيته وكان أخوه بكر بن عبد العزيز قد استأمن قبل ذلك إلى عبيد الله بن سليمان وبدر فولاه عمله على أن يسير إلى حربه فلما وصل عمر في الأمان قال لبكر: إنما وليناك وأخوك عاص فامضيا إلى أمير المؤمنين المعتضد وولى عيسى النوشري على أصبهان من قبل عمرو هرب بكر إلى الأهواز وسار عبيد الله بن سليمان الوزير إلى علي بن المعتضد بالري ولما بلغ الخبر إلى المعتضد بعث وصيفا موسكين إلى بكر بن عبد العزيز بالأهواز فلحقه بحدود فارس فمضى بكر إلى أصبهان ليلا ورجع وصيف إلى بغداد وكتب المعتضد إلى بدر مولاه يطلب بكر بن عبد العزيز وحربه فأمر بذلك عيسى النوشري فقام به ولقي بكرا بنواحي أصبهان فهزمه بكر ثم عاد النوشري لقتاله سنة أربع وثمانين فهزمه بنواحي أصبهان واستباح عسكره ولجأ بكر إلى محمد بن زيد العلوي بطبرستان وهلك بها سنة خمس وثمانين وكان عمر لما مات أبوه قبض على أخيه الحرث ويكنى أبا ليلى وحبسه في قلعة رد ووكل به شفيعا الخادم فلما جاء المعتضد واستأمن عمر وهرب بكر وبقيت القلعة بيد شفيع بأموالها رغب إليه الحرث في إطلاقه فلم يفعل وكان شفيع يسامره كل ليلة وينصرف فحادثه ليلة ونادمه وقام شفيع لبعض حاجته فجعل الحرث في فراشه تمثلا وغطاه وقال لجاريته: قولي لشفيع إذا عاد هو نائم ومضى فاختفى في الدار وفك القيد عن رجله بمبرد أدخل إليه وبرد به مسماره ولما أخبر شفيع بنومه مضى إلى مرقده وقصده أبو ليلى على فراشه فقتله وأمر أهل الدار واجتمع عليه الناس فاستحلفهم ووعدهم وجمع الأكراد وغيرهم وخرج من القلعة ناقضا للطاعة فسار إلى عيسى النوشري وحاربه فأصاب أبا ليلى سهم فمات وحمل رأسه إلى أصبهان ثم إلى بغداد..خبر ابن الشيخ بآمد. وفي سنة خمس وثمانين توفي أحمد بن عيسى بن الشيخ وقام بأمره في آمد وأعمالها ابنه محمد فسار المعتضد إليه في العساكر ومعه ابنه أبو محمد علي المكتفي ومر بالموصل وحاصر المعتمد إلى ربيع الآخر من سنة ست وثمانين ونصب عليها المجانيق حتى استأمن لنفسه ولأهل آمد وخرج إلى المعتمد فخلع عليه وهدم سورها ثم بلغه أنه يروم الهرب فقبض عليه وعلى أهله.
|