الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
وهي عدة جبال منها جبل درنٍ بفتح الدال والراء المهملتين ونون في الآخر. قـال ابـن سعيـد: وهـو جبـل شاهقٌ مشهور لا يزال عليه الثلج أوله عند البحر المحيط الغربي في أقصى المغرب وآخره من جهة الشرق على ثلاث مراحل من إسكندريـة مـن الديـار المصريـة ويسمى طرفه الشرقي المذكور رأس أوثانٍ فيكون امتداده نحو خمسين درجة وفي غربيه بلاد تينملك من قبائل البربر وشرقيها بلاد هنتاتـة مـن البربـر أيضـاً وشرقيهـا بلـاد مشكـورة منهـم وشرقيها بلاد المصامدة. ومنها جبل كزولة وهي قبيلة من البربر. قال ابن سعيد: وابتداؤه من البحر المحيط الغربي ويمتـد مشرّقـاً إلـى حيث الطول اثنتا عشرة درجة وموقعه بين الإقليم الثاني والأقليم الثالث وبه مدينة اسمها تاعجست. ومنها جبل غمارة. بضم الغين المعجمة وفتح الراء بعد الألف. وهي قبيلةٌ من البربر أيضاً وهـو جبـلٌ ببـرّ العـدوة فيـه مـن الأمـم ما لا يحصيه إلا الله تعالى وهو ركن على البحر الروميّ فإن بحر الزقاق إذا جاوز سبتة إلى الشرق انعطف جنوباً إلى جبل عمارة المذكورة وهناك مدينة باديس المقدم ذكرها. ومنهـا جبـل مديونـة. بفتح الميم وسكون الدال المهملة وضم المثناة من تحت وواو ثم نون مفتوحة وهـاء فـي الآخـر: وهو جبل ببرّ العدوة شرقي مدينة فاس يمتد إلى الجنوب حتى يتصل بجبال درن ومديونة قبيلةٌ من البربر واطنون به. ومنها جبال مدغرة وهي شرقي مديونة ومعظم أهلها كومية - بضم الكاف وكسر الميم وفتح المثناة تحت وهاء في الآخر. وهي قبيلة من البربر منها عبد المؤمن أحد أصحاب المهدي بن تومرت. ومنها جبل يسر بضم الياء المثناة تحت وسكون السين المهملة. وهو جبل شرقي مديونة أيضاً منه ينبع نهر يسر المذكور. ومنها جبل ونشريش وهو جبل يتصل بجبل يسر من شرقيه وفيه تعمل البسط الفائقة ومنه ينبع نهر سلف المشهور. قال ابن سعيد: وهو نهرٌ كبير يزيد عند نقص الأنهار كنيل مصر. الجملة الرابعة في ذكر أنهارها المشهورة وهي عدة أنهار منها نهر السوس الأقصى وهو نهر يأتي من الجنوب والشرق من جبلٍ يعرف بجبل لمطة ويجري إلـى الشمـال ويمـر علـى مدينـة السوس من شماليها ويزرع على جانبيه قصب السكر والحناء وغير ذلك كما يزرع في مصر ويجري حتى يصب في البحر المحيط الغربي. ومنهـا نهـر سجلماسة الأتي ذكرها وهو نهر منبعه من جنوبي سجلماسة بمسافةٍ بعيدةٍ ويمر من شرقيها ويجري حتى يصب في نهر ملوية الأتي ذكره. ومنها نهر ملوية قال ابن سعيد: وهو نهرٌ كبيرٌ مشهورٌ في الغرب الأقصى يصـب إليـه نهـر سجلماسة ويصيران نهراً واحداً يجري حتى يصب في بحر الروم شرقي سبتة. ومنهـا نهـر فـاس وهـو نهـر متوسـط يشق مدينة فاسٍ كما تقدم قال في تقويم البلدان ومخرجه على نصف يومٍ من فاس يجري في مروجٍ وأزاهر حتى يدخلها. المقصد الثاني في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها ومواشيها ومعاملاتها وصفات أهلها وفيه خمس جمل الجملة الأولى في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها أما زرعها فعلى المطر كما تقدم في أفريقية. وأمـا حبوبهـا: ففيهـا مـن أنواع الحبوب: القمح والشعير والفول والحمص والعدس والدخن والسلت وغير ذلك. أما الأرز فإنه عندهم قليل بعضه يزرع في بعض الأماكن من بر العدوة وأكثـره مجلـوب إليهم من بلاد الفرنج. على أنهم لا نهمة لهم في أكله ولا عناية به. وبها السمسم علـى قلة ولا يعتصر منه بالمغرب شيرج لاستغنائهم عنه بالزيت حتى مزورات الضعفاء وكذلك يعملون الحلوى بالعسل والزيت وإنما يستعمل الشيرج عندهم في الأمور الطبية. وأما فواكهها فيها أنواع الفواكه المستطابة اللذيذة المختلفـة الأنـواع: بيـن النخـل والعنـب والتيـن والرمان والزيتون والسفرجل والتفاح على أصناف وكذلك الكمثرى وتسمـى عندهـم الأنجـاص كمـا بدمشـق وبهـا المشمـش والتيـن والبرقـوق والقراصيـا والخـوخ وغالـب ذلـك على عدة أنواع والتوت على قلة والجوز واللوز. ولا يوجد بها الفستـق والبنـدق إلا مجلوبـاً. وبهـا الأتـرج والليمـون والليـم والنارنـج والزنبـوع وهـو المسمـى بمصـر والشام الكباد. وبها البطيخ الأصفر والأخضر واسمه عندهم الدلاع كما في سائر بلاد المغرب على قلة والموجود منه غير مستطـاب. وبهـا الخيـار والقثـاء واللفـت والباذنجـان والقـرع والجـزر واللوبيـا والكرنـب والشمار والصعتر وسائر البقول. والموز موجود بها في بعض المواضع نادراً والقلقاس لا يزرع عندهم إلا للتفرج على عروقه لا لأن يؤكل وبها قصب السكر بجزائر بني مزغنان وبسلا كثير ويعصـر ثم يعمل منه القند ومن القند السكر على أنواع لاسيما بمراكش فإنه يقال إن بها أربعين معصرة للسكر وإن حمل حمار من القصب يساوي درهماً من دراهمهم: وهو ثلث درهم من الدراهم المصرية ويعمل منه المكرر الفائق ومع ذلك فليس لهم به اهتمام لاكتفائهم عنه بعسل النحل مع كثرته عندهم وميلهم إليه أكثر من السكر حتى يقال إنه لا يستعمل السكر عندهم إلا الغرباء أو المرضى. وأمـا رياحينهـا فبهـا الورد والبنفسج والياسمين والأس والنرجس والسوسن والبهار وغير ذلك. الجملة الثانية في مواشيها و وحوشها وطيورها أمـا مواشيهـا ففيهـا مـن الـدواب الخيل والبغال والحمير والأبل والبقر والغنم أما الجاموس فلا يوجد عندهم. وأما الطير فبها منه الأوز والحمام والدجاج ونحوها والكركي عندهم كثير على بعد الدار واسمه عندهم الغرنوق وهو صيد الملوك هناك كما بمصر والشام. وأما وحوشها ففيها من أنواع الوحش الحمر والبقر والنعام والغزال والمها وغير ذلك. الجملة الثالثة فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم أما مثاقيل الذهب فأوزانها لا تختلف وأما الدراهم فذكر في مسالك الأبصار عن السلايحي: أن معاملتهـا درهمـان: درهـم كبيـر ودرهـم صغيـر فالدرهـم الكبيـر قـدر ثلث درهمٍ من الدراهم النقرة بمصر والشام والدرهم الصغير على النصف من الدرهم الكبير يكـون قـدر سدس درهم نقرة بمصر والشام. وعند الأطلاق يراد الدرهم الصغير دون الدرهم الكبير إلا بمراكش وما جاورها فإنه يراد بالدرهم عند الأطلاق الدرهم الكبير. قال: وكل مثقال ذهب عندهم يساوي ستين درهماً كباراً تكون بعشرين درهماً من دراهم النقرة بمصر. وأما رطلها فعلى ما تقدم من رطل أفريقية وهي كل رطل ست عشرة أوقية كل أوقية أحدٌ وعشرون درهماً من دراهمها. وأما كيلها فأكثره الوسق ويسمى الصفحة وهو ستون صاعاً بالصاع النبوي على السواء. الجملة الرابعة في ذكر أسعارها قد ذكر في مسالك الأبصار عن السلايحي أيضاً عن سعر زمانه المتوسط في غالب الأوقات وهـي الدولـة الناصريـة محمد بن قلاوون وما قاربها: أن سعر كل وسقٍ من القمح أربعون درهماً من الدراهم الصغار: وهو ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم من نقرة مصر والشعير دون ذلك. وكل رطل لحمٍ بدرهمٍ واحدٍ من الدراهم الصغار وكل طائر من الدجاج بثلاثة دراهم من الصغار وعلى نحو ذلك. الجملة الخامسة في صفات أهلها في الجملة قـد تقـدم أن معظـم هـذه المملكـة فـي الإقليـم الثالـث. قـال ابـن سعيد: والأقليم الثالث هو صاحب سفك الدماء والحسد والحقد والغل وما يتبع ذلك. ثم قال: وأنا أقول: إن الإقليم الثالث وإن كثـرت فيـه الأحكـام المريخيـة علـى زعمهـم فإن للمغرب الأقصى من ذلك الحظ الوافر لا سيما في جهة السوس وجبال درن فإن قتل الأنسان عندهم كذبح العصفور قال وكم قتيل قتل عندهم على كلمةٍ وهم بالقتل يفتخرون. ثم قال: إن الغالب على أهل المغرب الأقصى كثرة التنافس المفرط والمحاققة وقلة التغاضي والتهور والمفاتنة. أما البخل فإنما هو في أراذلهم بخلاف الأغنياء فإن في كثير منهم السماحة المفرطة والمفاخرة بإطعام الطعام والأعتناء بالمفضول والفاضل. المقصد الثالث مـن انتقـال الملـك مـن الموحدين إلى بني مرينٍ والتعريف بالسلطان أبي الحسن الذي أشار إليه في كلامه في التعريف. وهم على طبقات الطبقة الأولى ملوكها قبل الأسلام قـد تقـدم أن بلـاد المغرب كلها كانت مع البربر ثم غلبهم الروم الكيتم عليها ثم افتتحوا قرطاجنة وملوكهـا و وقع بين البربر والروم فتن كثيرة كان آخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون البلاد والمـدن الساحليـة للـروم والجبـال والصحـارى للبربـر ثـم زاحـم الفرنـج الـروم فـي البلاد وجاء الأسلام والمستولي عليها من ملوك الفرنجة جرجيس ملكهم وكان ملكه متصلا من طرابلس إلى البحر المحيط وكرسي ملكه بمدينة سبيطلة ومن يده انتزعها المسلمون عند الفتح. الطبقة الثانية نواب الخلفاء من بني أمية وبني العباس كان كرسي المملكة بعد الفتح بأفريقية وكان نواب الخلفاء يقيمون بها وينزلون القيروان وكانوا يولـون علـى مـا فتـح مـن بلـاد المغـرب مـن تحـت أيديهـم. فبقي الأمر على ذلك أيام عبد الله بن أبي سـرح الـذي افتتحهـا فـي خلافـة عثمـان ابـن عفـان رضـي اللـه عنـه ثم أيام معاوية بن صالح ثم أيام عقبة بن نافع ثم أيام أبي المهاجر ثم أيام عقبة بن نافع ثانياً ثم أيام زهير بن قيس ثم أيام حسـان بـن النعمـان ثم أيام موسى بن نصير ثم أيام محمد بن يزيد ثم أيام إسماعيل بن عبد الله بـن أبـي المهاجـر ثـم أيـام يزيـد بـن أبـي مسلـم ثم أيام بشر بن صفوان الكلبي ثم أيام عبيد بن عبد الرحمن السلمي ثم أيام عبد الله بن الحبحاب ثم أيام كلثوم بن عياض ثم أيـام حنظلـة بـن صفوان ثم أيام عبد الرحمن بن حبيب ثم أيام حبيب بن عبد الرحمن ثم أيام عبد الملك بن أبـي الجعـد ثـم أيـام عبـد الأعلـى بـن السمـح المعافري ثم أيام محمد بن الأشعث ثم أيام الأغلب بن سالم ثم أيام عمرو بن حفص ثم أيام يزيد بن حاتم بن قبيصة ثم أيام روح بن حاتم ثم أيام الفضل بن روح ثم أيام هرثمة بن أعين ثم أيام محمد بن مقاتل ثم أيام إبراهيم بن الأغلب ممن تقـدم ذكـره فـي ملـوك أفريقيـة فـي خلافـة هـارون الرشيد. وفي أيامه ظهرت دعوة الأدارسة الأتي ذكرهم بعد هذه الطبقة. وسيأتي بسط القول فيهم بعض البسط في الكلام على مكاتبـة صاحب تونس. الطبقة الثالثة الأدارسة بنو إدريس الأكبر بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وكان مبدأ أمرهم أنه لما خرج حسين بن علي بن حسنٍ المثلث بمكة سنة سبعين ومائة أيام الهادي واجتمع عليه قرابته وفيهم عمه إدريس وقتل الحسين فر إدريس ولحق بالمغرب وصار إلى مدينة وليلي من المغرب الأقصى فاجتمع إليه قبائل البربر وبايعوه وفتح أكثر البلاد وبقي حتى مات سنة خمس وسبعين ومائة. وأقاموا الدعوة بعده لابنه إدريس الأصغر. وكـان أبوه قد مات وترك أمه حاملاً به فكفلوه حتى شب فبايعوه سنة ثمانٍ وثمانين ومائة وهو ابن إحدى عشرة سنةً وافتتح جميع بلاد المغرب وكثر عسكره وضاقت عليهم وليلي فاختط لهـم مدينة فاس سنة ثنتين وتسعين ومائة على ما تقدم وانتقل إليها واستقام له الأمر واستولى على أكثر بلاد البربر واقتطع دعوة العباسيين ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين. وقـام بالأمـر بعـده ابنـه محمـد بـن إدريـس ومـات سنـة إحـدى وعشريـن ومائتين بعد أن استخلف في مرضـه ولـده عليشـا بـن محمـد وهو ابن تسع سنين ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين لثلاث عشرة سنةً من ولايته. وكان قد عهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر بعده ومات. فولـي مكانـه ابنـه يحيـى بن يحيى ثم مات فاستدعوا ابن عمه علي بن عمر ابن إدريس الأصغر فبايعوه بفاس واستولى على جميع أعمال المغرب وقتل سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وقام بالأمر بعده يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس الأصغر وملك جميع المغرب وخطب له على منابره وبقي حتى وافته جيوش عبيد الله المهدي الفاطمي فغلبوه على ملكه وخلع نفسه من الأمر وأنفذ بيعته إلى المهدي سنة خمس وثلثمائة واستقر عاملاً للمهدي على فاس وعملها خاصةً وبقية المغرب بيد موسى بن أبي العافية كما سيأتي. الطبقة الرابعة ملوك بني أبي العافية من مكناسة كانت مكناسة من قبائل البربر لأول الفتح بنواحي تارا من أوساط المغرب الأقصى والأوسط وكانـوا يرجعـون فـي رياستهـم إلـى بنـي أبـي باسـل بن أبي الضحاك وكانت الرياسة في المائة الثالثة لمصالة - بن حيوس بن منازل بن أبي الضحاك بن يزول بن تافرسين بن فراديس بن ونيف بن مكناس بن ورصطف بن يحيى بن تمصيت بن ضريس بن رجيك بن مادغش بن بربر - وموسى بن أبي العافية بن أبي باسل بن أبي الضحاك المتقدم ذكره. ولمـا استولى عبيد الله المهدي على المغرب صار مصالة بن حيوس من أكبر قواده و ولاه مدينة تاهرت والغرب الأوسط. ولما زحف مصالة إلى المغرب الأقصى سنة خمس وثلثمائة واستولى علـى فـاس ثـم علـى سجلماسـة واستنـزل يحيـى بن إدريس بفاس إلى طاعة عبيد الله المهدي وأبقاه أميراً على فاس علـى ما تقدم عقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة على سائر ضواحي المغرب وأمصاره مضافة إلى عمله من قبل: تسول وتازا وما معهما وقفل مصالة إلى القيروان. فقام موسى بن أبي العافية بأمر المغرب وعاود مصالة غزو المغرب سنة تسع وثلثمائة: أغراه موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس فقبض عليه وأخذ ماله وطرده فلحق ببني عمه بالبصـرة والريف و ولى مصالة مكانه على فاس ريحاناً الكتامي وقفل إلى القيروان فمات وعظم ملك موسى بن أبي العافية بالمغرب. ثم ثار بفاس سنة ثلاث عشرة وثلثمائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجام ودخل فاس على حين غفلة من أهلها وقتل ريحاناً واليها واجتمع الناس على بيعته ثم خرج لقتال ابن أبي العافية والتقوا فهلك جماعةٌ من مكناسة ثم كانت الغلبة لهم. ورجع الحسن مهزوماً إلى فاس فغدر به عامله على عدوة القرويين: حامد بن حمدان الهمداني فقبض عليه واعتقله وأمكن ابن أبي العافية من البلد وزحف إلى عدوة الأندلسيين فملكها وقتل عاملها و ولى مكانه أخاه محمداً واستولى ابن أبي العافية على فاس وجميع المغرب وأجلى الأدارسة عنه. ثم استخلف على المغرب الأقصى ابنه مديـن وأنزلـه بعـدوة القروييـن واستعمـل علـى عـدوة الأندلسييـن طـوال بن أبي زيد وعزل عنه محمد بن ثعلبة. ونهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة وثلثمائة فملكها وغلب عليها صاحبها الحسن بن أبي العيش بن عيسى بن إدريس بن محمد بن سليمان: من عقب سليمان ابن عبد الله: أخي إدريس الأكبر الداخل إلى المغرب بعده ورجـع بعـد فتحها إلى فاس وخرج عن طاعة العبيديين وخطب للناصر الأموي خليفة الأندلس علـى منابـر عملـه فبعـث عبيـد الله المهدي قائده حميداً المكناسي ابن أخي مصالة إلى فاس ففر عنهـا مديـن بـن موسـى بـن أبـي العافيـة إلـى أبيـه فدخلها حميد ثم استعمل عليها حامد بن حمدان ورجع إلى أفريقية وقد دوخ المغرب. ثـم انتقـض أهـل المغـرب على العبيديين بعد مهلك عبيد الله وثار أحمد بن بكر بن عبد الرحمن بن سهل الجذامي على حامد بن حمدان عامل فاس فقتله وبعث برأسه إلى موسى بن أبي العافية فبعث به إلى الناصر الأموي بالأندلس واستولى على المغرب وزحف ميسور الخصي قائـد أبـي القاسـم بـن عبيـد الله المهدي سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة إلى فاس وحاصرها فأحجم ابن أبي العافية عن لقائه واستنزل ميسورٌ أحمد بن بكر عاملها وقبض عليه وبعث به إلى المهدية. ثم خرج أهل فاس عن طاعته وقدموا على أنفسهم حسن بن قاسمٍ اللواتي ثم حاصرهم ميسورٌ فدخلوا تحت طاعته واشترطوا على أنفسهـم الأتـاوة فقبـل ميسـورٌ ذلـك منهـم وأقـر حسن بن قاسم على ولايته بفاس وارتحل إلى حرب بن أبي العافية فكانت بينهم حروب آخرها أن ظهر ميسور على ابن أبي العافية وأجلاه عن أعمال المغرب إلى بلاد الصحراء ثم قفـل ميسـورٌ إلـى القيـروان سنـة أربـع وعشريـن وثلثمائـة. ورجـع موسـى بـن أبـي العافية من الصحراء إلى أعماله بالمغرب وزحف إلى تلمسان ففر عنها أبو العيش ولحق بتكور واستفحل أمر ابن أبي العافية بالمغرب الأقصى واتصل عمله بعمل محمد بن خزر ملك مغراوة وصاحب المغرب الأوسط وبثوا دعوة الأموية في أعمالها وبعث ابنه مدين إلى منازلة فاس فحاصرها وهلك موسى في خلال ذلك سنة سبع وعشرين وثلثمائة. وقام ابنه مدين بأمره وعقد له الناصر الأموي على أعمال أبيه بالمغرب ثم قسم أعماله بينه وبيـن أخويـه البـوري وأبـي منقذ وأجاز البوري إلى الناصر بالأندلس سنة خمس وثلاثين وثلثمائة فعقـد لـه ثـم هلـك سنـة خمـس وأربعيـن وثلثمائـة وهـو محاصـرٌ لأخيـه مدين بفاس فعقد الناصر لابنه منصور على عمله. ثم توفي مدين فعقد الناصر لأخيه أبي منقذ على عمله ثم غلب مغراوة على فاس وأعمالها واستفحـل أمرهـم بالمغـرب. وأزاحـوا مكناسـة عـن ضواحيـه وأعماله وأجاز إسماعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مدين إلى الأندلس فنزلا بها إلى أن أجازوا مع واضح أيـام المنصور بن أبي عامر عندما خرج زيري بن عطية عن طاعتهم سنة ستٍّ وثمانين وثلثمائة. الطبقة الخامسة بنو زيري بن عطية من مغراوة من البربر وهو زيري بن عطية بن عبد الله بن خزر بن محمد بن خزر بن حفـص بـن صولـات بـن رومان من بطون زناتة من البربر وكان أولية أمره أن زيري هذا كان أمير بني خزر في وقته وانتهت إليه رياستهم وإمارتهم في البداوة. ولما غلب بلكين بن زيري الصنهاجي صاحب أفريقيـة وقومـه صنهاجـة علـى المغـرب الأوسـط سنـة تسـع وستين وثلثمائة وأجلوا عنه مغراوة الذين كانـوا بـه مـن تقـادم السنيـن وصـار المغـرب الأوسـط جميعـه لصنهاجة لحق مغراوة فيمن بقي من بني خزر بالغرب الأقصى وأمراؤهم يومئذ محمد بن الخير ومقاتلٌ وزيري ابنا عطية بن عبد الله وخزرون بن فلفول و وصلوا إلى سبتة وأميرهم المنصور بن أبي عامر حاجب. وبعث العزيز بن نزار العبيدي من مصر الحسن بن كنون من الأدارسة لاسترجاع ملكه بالمغرب فبعـث المنصـور لحربـه أبـا الحكـم عمـرو بـن عبد الله بن أبي عامر الملقب بعسكلاجة سنة خمس وسبعيـن وثلثمائـة وانحـاش إليـه زيـري ابـن عطية ومن معه من بني خزر في جموع مغراوة وزحفوا إلـى الحسن بن كنون حتى ألجأوه إلى الطاعة ثم انصرف أبو الحكم بن أبي عامر إلى الأندلس فعقـد المنصـور بـن أبـي عامـر علـى المغـرب الأقصـى للوزيـر حسن بن أحمد بن عبد الودود السلمي وأنفذه إليه سنة ست وسبعين وثلثمائة وأوصاه بملوك مغراوة خصوصاً زيري فسار الحسن بن أحمـد حتى نزل بفاس وضبط أعمال المغرب ومات مقاتل بن عطية سنة ثمان وسبعين وثلثمائة واستقـل أخـوه زيـري بـن عطيـة برياسـة مغـراوة وبقـي الحسـن بـن أحمـد إلـى أن قتـل في بعض الحروب سنـة إحـدى وثمانيـن وثلثمائـة وبلـغ الخبـر المنصـور بـن أبـي عامـر فعقد على المغرب لزيري ابن عطية المذكور وكتب إليه بعهده وأمره بضبط المغرب فاستفحل ملكه وغلب على تلمسان. فملكها من يد أبي البهار الصنهاجي وبعث بالفتح إلى المنصور بن أبي عامر فجدد له العهد واختط مدينة وجدة سنة أربع وثمانين وأنزل بها عساكره. ثم فسد ما بين المنصور بن أبي عامر وبين زيزي بن عطية فعقد المنصور لمولاه واضحٍ على المغرب وعلى حزب زيزي بن عطية وجهزه إليه في عساكره ثم أتبعه المنصور ابنه المظفر عبـد الملـك فاجتمعـا علـى زيـزي بن عطية ودارت بينهم الحرب فكانت الهزيمة على زيزي وجرح في المعركة وفر إلى فاس فامتنع عليه أهلها فلحق بالصحراء جريحاً وكتب عبد الملك بن وكان زيزي بن عطية لما فر إلى الصحراء صرف وجهه إلى حرب صهناجة بالمغرب الأوسط فقصـده وفتـح تاهـرت وتلمسـان وأعمالهمـا وأقـام الدعـوة فيهـا لهشـام بـن عبـد الملـك خليفـة الأندلس وحاجبه المنصور من بعده وبقي على ذلك حتى مات سنة إحدى وتسعين وثلثمائة. وبويع من بعده ابنه المعز ين زيزي فجرى على سنن أبيه من الدعاء لهشام بن عبد الملك والمنصور من بعده ومات المنصور في خلال ذلك. وقـام بأمـره مـن بعـده ابنـه المظفـر عبـد الملـك وبعـث المعـز بـن زيزي يرغب إلى المظفر في عمل فاس والمغرب الأقصى فأجابه إلى ذلك وكتب له عهده بذلك خلا سجلماسـة فإنهـا كانـت بيـد خزرون وبقي المعز في ولايته إلى أن هلك سنة سبع عشرة وأربعمائة. وولي من بعده ابن عمه حمامة بن المعز بن عطية واستفحل ملكه ثم نازعه الأمير أبو الكمال تميم بن زيزي بن يعلى اليفرني سنة أربع وعشرين وأربعمائة واستقل بملك المغرب وبقي حتى مات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وولي من بعده ابنه دوناس المعروف بأبـي العطـاف واستولـى علـى فـاس وسائـر عمـل أبيـه فاستقامت دولته واحتفل بعمارة فاس وأدار السور على أرباضها وبنى بها المصانع والحمامات والفنادق وبقي حتى مات سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. وولـي مـن بعـده ابنـه الفتـوح بـن دونـاس ونازعـه أخـوه الأصغـر عجيسة واستولى على عدوة القرويين من فاس وبقي الفتوح بعدوة الأندلسيين وافترق أمرههما ووقعت الحرب بينهما وابتنى الفتوح بعـدوة الأندلسييـن باب الفتوح المعروف به إلى الآن وابتنى عجيسة بعدوة القرويين باب الجيسة المعـروف بـه إلـى الـآن وحذفـت العين منه لكثرة دورانه على الألسنة وبقي الأمر على ذلك حتى ظفـر الفتـوح بأخيـه عجيسـة وقتله سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ودهم المغرب على إثر ذلك ما دهمه من أمر المرابطين من لمتونة وخشي الفتوح عاقبة أمرهم فرحل على فاس وتركها. وزحف صاحب القلعة بلكين بن محمد بن حماد إلى المغرب سنة أربع وخمسين فدخل فاس واسترهـن بعـض أشرافهـم علـى الطاعـة ورجـع إلـى عملـه وولـي على المغرب بعد الفتوح معتصر بن حماد ن بن معتصر بن المعز بن زيزي. وزحف يوسف بن تاشفين إلى فاس فملكها صلحاً سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة وخلف عليها عامله وارتحل إلى غمازة فخالفه معتصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة وبلغ الخبر يوسف بن تاشفين فأرسل العساكر إلى فاس وحاصرها وخرج معتصر للقاء عساكره فكانت الدائرة عليه وقتل في المعركة سنة ستين وأربعمائة. وبايع أهل فاس من بعده ابنه تميم بن معتصر فكانت أيامه أيام حصار وفتنةٍ وشدة وغلاء. ولمـا فـرغ يوسـف بن تاشفين من أمر عمارة سنة ثنتين وستين وأربعمائة قصد فاس فحاصرها أياماً ثم افتتحها عنوة وقتل بها نحو ثلاثة الأف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة وهلـك تميـم بـن معتصـر فـي جملتهـم وأمـر يوسـف بن تاشفين بهدم الأسوار التي كانت فاصلةً بين العدوتيـن وصيرهمـا مصراً واحداً وأدار عليهما سوراً واحداً وفر من خلص من القتل من مغراوة من فاس إلى تلمسان وانقرض ملكهم من الغرب الأقصى وتصاريف الأمور بيد الله تعالى. الطبقة السادسة المرابطون من الملثمين من البربر كان الملثمـون مـن البربـر مـن صهناجـة قبـل الفتـح الأسلامـي متوطنيـن فـي القفـار وراء رمـال الصحراء: ما بي بلاد البربر وبلاد السودان في جملة قبائل صهناجة على دين المجوسية قد اتخذوا اللثام شعاراً يميز بينهم وبين غيرهم من الأمم والرياسة فيهم يومئذ للمتونة ولم يزالوا على ذلك إلى أن كان فتح الأندلس واستمر ملكهم أيـام عبـد الرحمـن أول خلفـاء بنـي أميـة بالأندلس. قـال ابـن أبـي زرع: أول مـن ملـك الصحـراء مـن لمتونـة يتلوثـان وكـان يركـب فـي ألـف نجيب وتوفي في سنة اثنتين وعشرين ومائتين. وقام بأمرهم بعده ابنه تميمٌ إلى سنة ست وثلثمائة وقتله صهناجة. ثـم افتـرق أمرهـم بعـد تميـم مائـةً وعشرين سنة إلى أن قام فيهم أبو عبد الله بن نيفاوت المعروف بتادشت اللمتوني وحج ومات لثلاثة أعوام من رياسته عليهم. وقـام بأمرهـم صهـره يحيـى بـن إبراهيـم فحـج فـي سني أربعين وأربعمائة وعاد وصحبته عبد الله بن ياسين الجزولي ليعلمهم الدين فلما مات يحيى بن إبراهيم اطرحـوا عبـد اللـه بـن ياسيـن واستعصـوا عليـه وتركـوا الأخـذ بقولـه فاعتزلهـم ثـم اجتمـع عليه رجال من لمتونة فخرج فيهم وقاتل من استعصى عليه منهم حتى أنابوا إلى الحـق وسماهـم المرابطيـن وجعـل أمرهـم فـي الحـرب إلـى الأميـر يحيى بن عمر بن واركوت بن ورتنطق بن المنصور بن مرصالة بن منصور بن فرصالة بن أميت بن راتمال بن تلميت وهو لمتونة فافتتحوا درعـة وسجلماسـة واستعملـوا عليهـا منهـم وعادوا إلى الصحراء وهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وأربعمائة. وولـي مكانـه أخـوه أبـو بكـر بـن عمر ثم افتتحوا بلاد السوس سنة ثمان وأربعين ثم مدينة أغمات سنـة تسـع وأربعيـن ثـم بلاد المصامدة وجبال درن سنة خمسين ثم استشهد عبد الله بن ياسين فـي بعـض الغـزوات سنـة خمسيـن واستمـر أبـو بكـر بـن عمـر فـي إمـارة قومـه وافتتـح مدينة لواته سنة ثنتيـن وخمسيـن ثـم ارتحـل إلـى الصحـراء لجهـاد السـودان واستعمـل علـى المغـرب ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن واركوت فسار يوسف في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب واختط مدينة مراكش سنة أربع وخمسين. ثم انتزع جبال زناته بالمغرب مـن أيديهـم ثـم افتتـح فـاس صلحـاً سنـة خمـس وخمسيـن ثـم استعيدت بعد فتحها ثم فتحها عنوةٌ سنة اثنتين وستين وأربعمائة وأمر بهدم الأسوار التي كانـت فاصلـةً بيـن عدوتـي القروييـن والأندلسييـن وصيرهمـا مصراً واحداً ثم افتتح بعد ذلك مدينة تلمسـان واستولـى علـى الغـرب الأقصـى والغـرب الأوسـط ثـم صـار إلـى الأندلـس واستولـى علـى أكثـر ممالكـه كمـا سيأتـي فـي ذكـر مكاتبـة صاحـب الأندلـس ثـم توفـي يوسـف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة. وقـام بالأمـر بعـده ابنـه علـي بـن يوسف فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين وسار فيهم بأحسن السيرة. ولأربع عشرة سنةً من ولايته كان ظهور المهدي بن تومرت صاحـب دولـة الموحدين. ومات علي بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقد ضعفت كلمة المرابطين بالأندلس لظهور الموحدين. وقام بالأمر بعده ولده تاشفين بن علي وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين وقد استفحل أمر الموحدين وعظم شأنهم ونزل تلمسان فقصده الموحدون ففر إلى وهران واتبعه الموحدون ففقد ثم بويع بمراكش إبراهيم بن تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين فألفوه عاجزاً فخلعوه. وولـي مكانـه عمـه إسحـاق بـن علـي بـن يوسـف بن تاشفين وقد ملك الموحدون جميع بلاد المغرب وقصدوه في مراكش فخـرج إليهـم فـي خاصتـه فقتلـوه وأجـاز عبـد المؤمـن والموحـدون إلـى الأندلس فملكوه سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وفر أمراء المرابطين في كل وجه.
كان أول أمرهم أن المهدي محمد بن تومرت كان إماماً متضلعاً بالعلوم قد حج ودخل العراق واجتمع بأئمته من العلماء والنظار كالغزالي وإليكا الهراسي وغيرهما وأخذ بمذهب الأشعرية أهـل السنـة ورجـع إلـى الغـرب وأهلـه يومئـذٍ على مذهب أهل الظاهر في منع التأويل فاجتمع إليه قبائل المصامدة من البربر وجعل يبث فيهم عقائد الأشعرية وينهى عن الجمـود علـى الظاهـر وسمي أتباعه الموحدين تعريضاً بتكفير القائلين بالتجسيم الذي يؤدي إليه الوقوف على الظاهر. وكان الكهان يتحدثون بظهور دولةٍ بالمغرب لأمة من البربر وصرفوا القول في ذلك إليه ودعا المصامدة بيعته على التوحيد وقتال المجسمين سنة خمس عشرة وخمسمائة فبايعوه على ذلك. ولما كملت بيعته لقبوه المهدي وكان قبل ذلك يلقب الأمام وأخذوا في قتال المرابطين من لمتونة وقام بالأمر بعده عبد المؤمن بن علي بعهده إليه. فكان من أمره ما تقدم من استيلائه على العدوتيـن وانقـراض ملـك المرابطيـن بهمـا وكـان ذلـك مـن سنـة أربـع وثلاثيـن وخمسمائـة إلـى سنـة إحـدى وأربعيـن. ثـم صـرف همـه إلـى بجاية وأفريقية فافتتحهما واستخلص المهدية والبلاد الساحلية التي كانت النصارى قد استولوا عليها من أيديهم واستولى على سائر بلاد أفريقية وعاد إلى الغرب في سنـة سـت وخمسيـن وخمسمائـة. وتوفـي بسـلا مـن الغـرب الأقصـى فـي جمـادى الأخـرة سنـة ثمـانٍ وخمسين. وبويـع بعـده ابنـه أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين وأفريقية واشتغل بإصلاح الممالك وجهاد العدو وأجاز إلى الأندلس لجهاد النصارى وقتل في بعض غزواته فيه بسهم أصابه. وقيل مرض فمات سنة ثمانين وخمسمائة. وبويـع ابنـه يعقوب بن يوسف بإشبيلية عقب وفاته وتلقب بالمنصور فاستولى على ما كان بيد أبيه من الممالك إلى الأندلس وكان له مع العدو وقائع ومرض بالأندلـس فمـات سنـة خمـس وتسعين وخمسمائة. ويويـع ابنـه محمـد ولـي عهده وتلقب الناصر لدين الله ورجع إلى بلاد المغرب. وفي أيامه ثار ابن غانيـة علـى أفريقيـة وتغلـب عليها وولى أبا محمد ابن الشيخ أبي حفص عليها فاستقرت بها قدم بنيـه إلى الآن وأجاز إلى الأندلس ونزل إشبيلية والتقى مع العدو في صفر سنة تسع وستمائة وابتلي المسلمون في ذلك اليوم ورجع إلى مراكش فمات في شعبان من السنة المذكورة. وبويع ابنه يوسف بن محمد سنة إحدى عشرة وستمائة وهو ابن ست عشرة سنةً ولقب المستنصر بالله وتأخر أبو محمد ابن الشيخ أبي حفص عن بيعته لصغر سنة وغلـب عليـه مشيخة الموحدين فقاموا بأمره. وبقي الستنصر حتى مات يوم الأضحى سنة ست وعشرين وستمائة. وبويع بعده أبو محمد عبد الواحد بـن يوسـف بـن عبـد المؤمـن وهـو أخـو المنصـور ويعـرف بالمخلـوع. وكـان الوالـي بالمرسيـة مـن الأندلـس أبـو محمـد عبـد اللـه بـن يعقوب بن المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن. فثار بالأندلس ودعا لنفسه وتلقب العادل. واتصل الخبر بمراكش فاضطرب الموحدون على المخلوع وبعثوا ببيعتهم إلى العادل بالأندلس وبادر العادل إلى مراكش فدخلها وبقي حتى قتل بها أيام الفطر سنة أربع وعشرين وستمائة. وكان أخوه إدريس بن المنصور بإشبيلية من الأندلـس فدعـا لنفسـه وبويـع وبعـث الموحـدون ببيعتهـم إليـه ثـم قصـد مراكـش فهلـك فـي طريقـه بـوادي أم الربيـع مفتتـح سنـة ثلاثين وستمائة وتغلب ابن هود على سبتة. وبويع بعده ابنه المأمون عبد الواحد بن إدريس فلقب الرشيد ودخل إلى مراكش فبايعوه وبقي حتى توفي سنة أربعين وستمائة. وبويـع بعـده أخوه أبو الحسن علي السعيد ولقب المعتضد بالله وقام بالأمر ثم سار إلى تلمسان فكان بها مهلكه على يد بني عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين وستمائة وكان فيها استيلاء النصارى على إشبيلية. ثم اجتمع الموحدون على بيعة أبي حفص عمر بن أبي إسحاق بن يوسف بن عبد المؤمن فبايعـوه ولقـب المرتضـى وكـان بسـلا فقـدم إلـى مراكـش. وفـي أيامـه استولـى أبو يحيى بن عبد الحق المرينـي جـد السلطـان أبي الحسن على مدينة فاس سنة سبع وأربعين وستمائة واستبد العزفي بسبتة. ثم انتقض على المرتضى قائد حروبه أبو العلاء الملقب بأبي دبوس بن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن ففر منه واجتمع عليه جموعٌ مـن الموحديـن وقصـد مراكـش وبهـا المرتضـى فغلبـه عليهـا والتقيـا وفر المرتضى إلى أزمور فقبض عليه وإليها واعتقله إلى أن ورد أمر أبي دبوس بقتله فقتله واستقل أبو دبوس بالأمر وتلقب الواثق بالله والمعتمد على الله. ثم جمع بعقوب بن عبد الحق وقصد مراكش فخرج إليه أبو دبوس فكانت الهزيمة على أبي دبوس ففر هارباً فأدرك وقتل ودخل يعقوب بن عبد الحق مراكش وملكها سنة ثمانٍ وستين وستمائة وفر مشيخة الموحدين إلى معاقلهم بعد أن كانوا بايعوا عبد الواحد بن أبي دبوس ولقبوه المعتصم فأقام خمسة أيام وخرج في جملتهم وانقرض أمر بنـي عبـد المؤمـن ولـم يبـق للموحدين ملكٌ إلا بأفريقية لبني أبي حفص على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. الطبقة الثامنة ملوك بني عبد الحق من بني مرين القائمون بها إلى الآن وهو عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن ورزيز ابن فكوس بن كوماط بن مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جديح بـن فاتـن بـن بـدر بـن نجفـت بـن عبـد اللـه بـن ورتبيـص بـن المعـز بـن إبراهيـم بـن رجيـك بـن واشيـن بـن بصلتيـن بـن مشـد بـن إكيا بن ورسيك بن أديدت بن جانا وهو زناتة. كانـت منازل بني مرينٍ ما بين فيكيك إلى صا وملوية وكانت الرياسة فيهم لمحمد بن ورزيز بن فكوس. ولمـا هلـك محمد قام بأمره من بعده ابنه حمامة ثم من بعده أخوه عسكر ولما هلك قام برياسته وقام بأمرهم من بعده أبو بكر ابن عمه حمامة بن محمد وبقي حتى هلك. فقـام مـن بعـده ابنـه محيـو ولـم يـزل حتـى أصابتـه جراحـةٌ فـي بعض الحروب وهو في عداد المنصور بن عبد المؤمن وهلك منها بعد مرجعه إلى الزاب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. وقـام برياستـه ابنتـه عبـد الحـق بن محيو وكان أكبر أولاده وهو الذي تنسب إليه ملوك فاس الآن. فأحسن السيـر فـي إمارتـه إلـى أن كانـت أيـام المستنصـر يوسـف ابـن الناصـر: خامـس خلفـاء بنـي عبـد المؤمن فثارت بينه وبين بني مرين وكانت بينهم حروب هلك في بعضها عبد الحق بن محيو. ونصـب بنـو مريـنٍ بعـده ابنـه أبـا سعيد عثمان بن عبد الحق وشهرته بينهم ادرغال ومعناه بلغتهم الأعور وقوي سلطانه وغلب على ضواحي المغرب وضرب الأتاوة عليهم وتابعه أكثر القبائل وفـرض علـى أمصـار المغـرب مثـل فـاس وتـازا وغيرهما ضريبةً معلومة في كل سنة على أن يكف الغارة عنهم. ولم يزل على ذلك إلى أن قتله علج من علوجه سنة سبع وثلاثين وستمائة. وقام بأمر بنـي مريـن مـن بعـده أخـوه محمـد بـن عبـد الحـق فجـرى علـى سنـن أخيـه فـي الأستيـلاء علـى بلـاد المغـرب وضرب الأتاوة على بلاده ومدنه إلى أن كانت أيام السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن فجز عساكر الموحدين لقتال بني مرينٍ فخرجوا إليهم في جيشٍ كثيفٍ في سنة ثنتين وأربعين وستمائة ودارت الحرب بينهم فكانت الهزيمة على بني مرين وقتل محمد بن عبد الحق. وقتـام بأمـره مـن بعـده ابنـه أبـو يحيـى زكريـا بـن عبـد الحـق وقسـم جبايتـه ببلـاد المغـرب فـي عشائـر بنـي مرين ودارت الحرب ينهم وبين الموحدين إلى أن مات السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن وانتقـل الأمـر مـن بعـده إلـى ابنه عبد الله فضعفت دولة بني عبد المؤمن. واستولى أبو يحيى بن عبـد الحق على أكثر بلاد المغرب وقصد فاس وبها بعض بني عبد المؤمن فأناخ عليها وتلطف بأهلها ودعاهم إلى الدعوة الحفصية بأفريقية فأجابوه إلى ذلك وبايعوه خـارج بـاب الفتـوح. ودخـل إلـى قصبـة فـاس لشهريـن مـن مـوت السعيـد فـي أول سنـة ست وأربعين وستمائة وبايعه أهل تازا وأهل سلا ورباط الفتح واستولى على نواحيها وأقام فيها الدعوة الحفصية واستبد بنو مرينٍ بملك المغرب الأقصى وبنو عبد الواد بملك المغرب الأوسط. وملـك سجلماسـة سنـة ثلـاثٍ وخمسين وستمائة من أيدي عامة الموحدين وبقي حتى هلك بفاس في رجبٍ سنة ست وخمسين وستمائة ودفن بمقبرة باب الفتوح. وتصـدى للقيـام بأمـره ابنـه عمـر ومـال أهـل الحـل والعقد إلى عمه أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق وكـان غائبـاً بتازا فقدم ثم وقع الصلح بينهما على أن ترك يعقوب الأمر لابن أخيه عمر على أن يكون له تازا وبلادها ثم وقع الخلف بنيها والتقيا فهزم عمر ثم نزل لعمه يعقوب عن الأمر. ورحل السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق فدخل مملكاً ثم هلك عمر يعد سنة فكفي يعقوب شأنه واستقام سلطانه وأخذ في افتتاح أمصار المغرب. وافتتح أمره باستنقاذ مدينة سـلا من أيدي النصارى ثم قصد إلى مراكش فخرج إليه الخليفة المرتضى من بني عبد المؤمن وكانـت بينهمـا حـرب هزم فيها المرتضى وقتل وبايع الموحدون أخاه إسحاق ثم قبض عليه سنة أربع وستين وستمائة فقتل فيمن معه وانقرض أمر بني عبد المؤمن من المغرب. ووصل السلطان أبو يوسف إلى مراكش أول سنة ثمان وستين وستمائة فدخلها وورث ملك الموحديـن بهـا ثـم رجـع إلـى فاس بعد أن استخلف على مراكش في شوال من سنته وشرع في بنـاء المدينـة التـي استجدهـا ملاصقـةً لمدينـة فـاس فـي شـوالٍ سنـة أربـع وسبعيـن وستمائـة ونزل فيها بحاشيته وذويه وغزا في خلال ذلك النصارى بالأندلس أربع مرات حتى أذعن له شانجة بن أدفونش وسأله في عقد السلم له فعقد له على شروط اشترطها عليه وعاد إلى بلاد المغرب فمرض ومات في آخر المحرم سنة خمس وثمانين وستمائة. وبويـع بعـده ابنـه ولـي عهـده أبـو يعقـوب يوسـف بـن يعقـوب فجرى على سنن أبيه في العدل والغزو وأجاز إلى الأندلس وجدد السلم مع شانجة ملك النصارى. وغزا تلمسان مرات وبقي حتى طعنه خصي من خدمه وهو نائم على فراشه فمات سابع ذي القعدة سنة ست وسبعمائة. وبويع بعده ابنه أبو ثابت عامر بن أبي يعقوب يوسف واختلف عليه النواحي ثم استقام أمره وبقي حتى انتقض عليه عثمان بن أبي العلاء بنواحي طنجة من أقصى الغرب فخرج لقتاله ومرض في طنجة ومات في ثامن صفر سنة سبع وسبعمائة. وبويع بعده أخوه أبو الربيع بن أبي يعقوب يوسف فأحسن السيرة وأجزل الصلات وسار بسيرة آبائه وبقي حتى مات بمدينة تازا في سلخ جمادى الأخرة سنة عشر وسبعمائة ودفن بصحن جامعها. وبويع بعده أخوه أبو سعيد عثمان بن أبي يعقوب يوسف فلما استقام أمره بالغرب الأقصى سـار إلـى تلمسـان سنـة أربـع عشـرة وسبعمائـة فانتزعهـا مـن موسى ين عثمان بن يغمراس: سلطان بنـي عبـد الـواد بهـا وانتقـض عليـه محمـد بـن يحيـى العزفـي صاحب سبتة فسار إليه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فأذعن للطاعة وأحضر عبد المهيمن بن محمد الحضرمي من سبتة وولـاه ديوان الأنشاء والعلامة. وفي أيامه قصد بطرة وجوان ملك النصارى بالأندلس غرناطة. فاستغاثوا به فأجاز البحر إليهم ولقـى عساكـر النصـارى فهلـك بطـرة وجـوان فـي المعركـة وكانـت النصـرة للمسلميـن وتوفـي فـي ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة. وبويـع بعـده ابنـه ولـي عهـده أبـو الحسـن علـي بـن عثمـان وهـو الذي كان في عصر المقر الشهابي بن فضـل اللـه. وسـار إلـى تلمسـان سنـة سبـع وثلاثيـن وسبعمائة فملكها من ابن أبي تاشفين سلطان بنـي عبـد الـواد بهـا بعـد أن قتلـه بقصـره. وملـك تونـس مـن يـد أبـي يحيى سلطان الحفصيين بها في جمـادى الأخـرة سنـة ثمـان وأربعيـن وسبعمائـة واتصـل ملكـه مـا بيـن برقـة إلـى السـوس الأقصى والبحر المحيط الغربي ثم استرجع الحفصيون تونس بعد ذلك. وملك بعد ذلك سلجماسة قاعدة بلاد الصحراء بالغرب الأقصى وبقي حتى مات في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة بجبل هنتاتة. وبويـع بعـده ابنـه أبـو عنـان بـن أبـي الحسـن وكان بنو عبد الواد قد استعادوا تلمسان في أيام أبيه فارتجعهـا منهم في سنة ثلاث وخمسين ونزل له الأمير محمد ابن أبي زكريا صاحب بجاية عنها فانتظمـت فـي ملكـه. وملـك قسنطينـة مـن الحفصييـن بعـد ذلك بالأمان. ثم ملك تونس من أيديهم سنـة ثمـانٍ وخمسيـن. ورجـع إلى المغرب فارتجع الحفصيون تونس وسائر بلاد أفريقية وبقي حتى توفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين. وكـان ابنـه أبـو زيـان ولـي عهـده فعـدل عنـه إلـى ابنـه السعيـد بـن أبـي عنـان واستولـى عليـه الحسن بن عمرو وزير أبيه فحجبه في داره واستقل بالأمور دونه. ثـم خـرج علـى السعيـد بـن أبـي عنـان عمـه أبـو سالـم إبراهيم بن أبي الحسن وكان بالأندلس فجاء إليه بالأساطيل واجتمع إليه العساكر ووصل إلى فاس وخلع الحسن بن عمر سلطانه السعيد عـن الأمـر وأسلمـه إلـى عمه أبي سالم وخرج إليه فبايعه ودخل فاس في منتصف شعبان سنة ستيـن وسبعمائة واستولى على ملك المغرب وقصد تلمسان فأجفل عنها أبو حمو سلطان بني عبد الواد فدخلها بالأمان في رجبٍ سنة إحدى وستين وسبعمائة فأقر بملكها حفيداً من أحفاد بني عبد الواد يقال له أبو زيان ورجع إلى فاس في شعبان من سنته. وعاد أبو حمو إلى تلمسان فملكها من أبي زيان. وبنى إيواناً فخماً بفاس بجانب قصره وانتقل إليه وفوض أمر القلعة إلى عمر بن عبد الله بن علي من أبناء وزرائهم فعمد إلى أبي عمر تاشفيـن الموسـوس ابـن السلطـان أبـي الحسـن فأجلسه على أريكة الملك وبايعه في ذي القعدة سنة ثنتين وستين وسبعمائة. وأفاض العطاء في الجند. وأصبـح السلطـان أبـو سالـم فوجـد الأمـر علـى ذلـك ففر بنفسه فأرسل عمر بن عبد الله بن علي في أثره من قبض عليه واحتز رأسه وأتى بها إلى فاس. ثم أنكر اهل الدولة على عمر بن عبد الله ما وقع منه من نصب أبي عمر المذكور لضعف عقلـه فأعمـل فكـره فيمـن يصلـح للملـك فوقـع رأيه على أبي زيان محمد ابن الأمير عبد الرحمن ابن وكان قد فزع إلى ملك النصارى بإشبيلية من الأندلس فأقام عنده خوفاً من السلطان أبي سالـم فبعـث إليـه مـن أتـى بـه وخلع أبا عمر من الملك وبعث إليه بالألة والبيعة من تلقاه بطنجة. ورحل إلى فاس في منتصف شهر صفر سنة ثلاثٍ وستين وسبعمائة ودخل إلى قصر الملك فأقام به والوزير عمر بن عبد الله مستبد عليه لا يكل إليه أمراً ولا نهياً وحجره من كل وجه فثقـل ذلـك علـى السلطـان أبـي زيان وأمر بعض أصحابه في الفتك بالوزير عمر فبلغ الخبر الوزير فدخـل علـى السلطـان مـن غيـر إذن علـى ما كان اعتاده من وألقاه في بئر وأظهر للناس أنه سقط عن ظهر فرسه وهو ثمل في تلك البئر. واستدعـي مـن حينـه عبـد العزيز ابن السلطان أبي الحسن من بعض الدور بالقلعة فحضر القصر وجلس على سرير الملك ودخل عليه بنو مرين فبايعوه وكمل أمره وذلك في المحرم سنة ثمان وستيـن وسبعمائـة واستبـد عليـه كمـا كان مستبداً على من قبله فحجره ومنعه من التصرف في شيء من أمره ومنع الناس أن يسألوه في شيء من أمروهم فثقل ذلك عليه غاية الثقل وأكنه في نفسه إلى أن استدعاه يوماً فدخل عليه القصر وكان قد أكمن له رجالأ بالقصر فخرجوا عليه وضربوه بالسيوف حتى مات. واستقل السلطان عبد العزيز بملكه وقصد تلمسان فملكها من يد أبي حمو سلطان بني عبد ودخلها يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. وارتحل عنها آخر المحرم إلى الغرب ووصل إلى فاس ثم عاد إلى تلمسان وخرج منها يريد المغرب فمرض ومات في الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وبويـع بعـد ابنـه سعيـد بـن عبـد العزيز وهو طفل وقام بأمره وزيره أبو بكر بن غازي ورجعوا به إلى المغرب ودخل إلى فاس وجددت له البيعة بها واستبد عليه الوزير أبو بكر وحجره عن التصرف في شيء من أمره لصغره. ورجع أبو حمو سلطان بني عبد الواد إلى تلمسان فملكها في جمادى سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وخرج عليه أبو العباس بن أبي سالم وكان بالأندلس فأجاز البحر وسار إلى فاس فملكها. ودخلها أول المحرم سنة ست وسبعين وسبعمائة واستقل بملك المغرب وكان ذلك بموالأة ابن الأحمر صاحب الأندلس فاتصلت بينهما بذلك الصحبـة وتأكـدت المـودة وتخلـى عـن مراكـش لعبد الرحمن وكان بينهما صلح وانتقاض تارةً تارةً وقصد تلمسان فملكها من أبي حمو بعد فراره عنها وأقام بها أياماً وهدم أسوارها وخرج منها في أتباع أبي حمو. وخالفـه السلطـان موسـى ابـن عمه أبي عنان إلى فاس فملكها ونزل دار الملك بها في ربيع الأول وقدم السلطان أبو العباس إلى فاس فوجد موسى ابن عمه قد ملكها ففر عنها إلى تازا ثم أرسل إلى السلطان موسى بالطاعة والأذعان فأرسل من أتى به إليه فقيده وبعث به إلى الأندلس واستقل السلطان موسى بملك المغرب وتوفي لثلاث سنين من خلافته. وبويـع بعـده المتنصـر ابـن السلطـان أبـي العبـاس فلم يلبث أن خرج عليه الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من الأندلس فسار إلى فاس ودخلها وحل بدار الملك بها وبويع في شوال سنة ثمان وثمانين وسبعماائة. وبعث المنتصر إلى أبيه العباس بالأندلس فأجاز السلطان أبو العباس من الأندلس إلى سبتة فملكها في صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة ثم استنزله عنها ابن الأحمر صاحب الأندلس وانتظمها في ملكه. ثم ظهرت دعوة السلطان أبي العباس بمراكش واستولى جنده عليها ثم سار إليها ابنه المنصر وملكها وسار السلطان أبو العباس إلى فاس فملكها ودخل البلد الجديد بها خامس رمضان سنـة تسع وثمانين وسبعمائة لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه وبعث بالواثق إلى الأندلس ثم أمر بقتله فقتل في طريقه بطنجة. وكـان أبـو حمـو صاحـب تلمسان قد مات واستولى عليها بعده ابنه أبو تاشفين قائماً بدعوة أبي العبـاس صاحـب فـاس ومـات أبـو تاشفيـن وأقيـم ابنـه طفلاً فيها ثم قتله عمه يوسف بن أبي حمو وجهـز السلطـان أبـو العبـاس ابنـه أبـا فـارس عثمـان فملكهـا وأقـام فيهـا دعوة أبيه وتوفي السلطان أبو العباس بمدينة تازا في المحرم سنة ست وتسعين وسبعمائة. واستدعـوا ابنه أبا فارس فبايعوه بتازا ورجعوا به إلى فاس وأطلقوا أبا زيان بن أبي حمو من الأعتقال وبعثوا به إلى تلمسان. وبقـي أبـو فارس في مملكة الغرب إلى الآن: وهو السلطان أبو فارس: عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي ابن السلطان أبي سعيد عثمان ابن السلطان أبي يوسف بن عبد الحق. المقصد الرابع في بيان ترتيب هذه المملكة وفيه عشر جمل الجملة الأولى في ذكر الجند وأرباب الوظائف ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزي السلطان وترتيب حاله في الملك أما الجند فأشياخ كبار وأشياخ صغار وهم القائمون مقام الأمراء الطبلخانات بمصر على ما تقدم في أفريقية ولا يعرف بها أميرٌ له عدة كما بمصر والشام وإيران ولا يطلـق اسـم الأمـرة عندهم على أحد من الجند بحال. ثـم بعـد الأشياخ عامة الجند من الأندلسيين وغيرهم والعلوج من الفرنج على ما تقدم في مملكة أفريقية من غير فرق في الترتيب والوزراء والقضاة وأرباب الوظائف على نحو ما تقدم في أفريقية. الجملة الثانية في زي السلطان والأشياخ وأرباب الوظائف في اللبس أما زي السلطان والأشياخ وعامة الجند فإنهم يتعممون بعمائم طوالٍ قليلة العـرض مـن كتـان ويعمل فوقها إحرامات يلفونها على أكتافهم ويتقلدون السيوف تقليداً بدوياً ويلبسون الخفاف في أرجلهـم وتسمى عندهم الأنمقة كما في أفريقية ويشدون المهاميز فوقها ويتخذون المناطق وهي الحوائص ويعبرون عنها بالمضمات من فضة أو ذهب. وربما بلغت كل مضمة منها ألف مثقال ولكنهم لا يشدونها إلا في يوم الحرب أو يوم التمييز: وهو يوم عرضهم على السلطان. ويختص السلطان بلبس البرنس الأبيض الرفيع لا يلبسه ذو سيف غيره. أمـا العلمـاء وأهـل الصلـاح فإنـه لا حـرج عليهـم فـي ذلك ولا حرج في غير الملون البيض من البرانس على أحد. وأمـا زي القضـاة والعلمـاء والكتـاب وعامة الناس فقريبٌ من لبس الجند. إلا أن عمائمهم خضـر ولا يلبـس أحـد منهـم الأنمقـة: وهي الأخفاف في الحضر ولا يمنع أحدٌ منهم من لبسها في السفر. الجملة الثالثة في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته أما رزق الأجناد ففي مسالك الأبصار عن السلايحي: أن للأشياخ الكبار الأقطاعات الجارية عليهـم: لكلٍ واحدٍ منهم في كل سنة عشرون ألف مثقالٍ من الذهب يأخذها من قبائل وقرى وضياعٍ وقلاعٍ ويتحصل له من القمح والشعير والحبوب من تلك البلاد نحو عشرين ألف وسق. ولكل واحدٍ مع الأقطاع الأحسان في رأس كل سنة وهو حصـانٌ بسرجـه ولجامـه وسيـف ورمـحٌ محليـان وسبنيـة وهـي بقجـة قمـاش فيها ثوب طرد وحشٍ مذهب سكندري ويعبرون عن هذا الثوب بالزردخاناه وثوبان بياض من الكتان عمل أفريقية وإحـرام وشـاشٌ ثمانـون ذراعـاً وقصبتان من ملف وهو الجوخ وربما زيد الأكابر على ذلك وربما نقـص مـن هـو دون هـذه الرتبة. وللأشياخ الصغار من الأقطاع والأحسان نصف ما للأشياخ الكبار مع الحصان المسرج الملجم والسيف والرمح والكسوة ومنهم من لا يلحق هذه الرتبة فيكون أنقص. ومـن عـدا الأشيـاخ مـن الجنـد علـى طبقات: فالمقربون إلى السلطان يكون لكل واحدٍ منهم ستون مثقالـأة مـن الذهـب فـي كـل شهـر وقليـلٌ مـا هـم ومـن دون ذلـك يكون له في الشهر ثلاثون مثقالأ ثم دونهـا إلـى أن يتناهـى إلـى أقـل الطبقـات وهـي ستـة مثاقيـل فـي كـل شهـر. وليـس لأحـدٍ منهـم بلد ولا مزدرع. وأما قاضي القضاة فله في كل يوم مثقالٌ من الذهب وله أرضٌ يسيرة يزرع بها ما تجيء منه مؤونته وعلف دوابه. وأما كاتب السر فله في كل يوم مثقالأن من الذهب وله محيران يعني قريتين يتحصل له منهما متحصل جيد مع رسوم كثيرة له على البلاد ومنافع وإرفاقات ولكل واحدٍ من كاتب السر وقاضي القضاة في كل سنة بغلة بسرجها ولجامها وسبنية قماش برسم كسوته كما للأشياخ. الجملة الرابعة في جلوس السلطان في كل يوم قال السلايحي: من عادة سلطانهم أن يجلس في بكرة كل يوم ويدخل عليه الأشياخ الكبار فيسلمـوا عليـه فيمدلهـم السمـاط ثرائـد فـي جفـانٍ حولهـا طوافيـر:: وهـي المخافـي فيها أطعمة ملونة منوعة. ومع ذلك الحلوى: بعضها مصنوع بالسكر ومعظمها مصنوع بالعسل والزيت فيأكلون ثم يتفرقون إلى أماكنهم. وربما ركب السلطان بعد ذلك والعسكر معه وقد لا يركب. أما أخريات النهار فإن الغالب أن يركب بعد العصر في عسكره ويذهب إلى نهر هناك. ثم يخرج إلى مكانٍ فسيح من الصحراء فيقف به على نشز من الأرض وتتطارد الخيل قدامه وتتطاعن الأقران وتمثل الحرب لديه وتقام صفوفها على سبيل التمرين حتى كأنها يوم الحرب حقيقة. ثم يعود في موكبه إلى قصره وتتفرق العساكر وتحضر العلماء وفضلاء الناس وأعيانهم إلى محاضرته حينئذ. فيمد لهم سماطٌ بين يديه فيأكلون ويؤاكلهم ثم يأخذ كاتب السر في قراءة القصص والرقاع والكلام في المهمات ويبيت عنده من يسامره من الفضلاء في بعض الليالي وربما اقتضت الحال مبيت كاتب السر فيبيت عنده. الجملة الخامسة في جلوسه للمظالم قـال السلايحـي: قـد جـرت عادة من له ظلامة أن يرتقب السلطان في ركوبه في موكبه يعني يوم جلوسـه للمظالـم فـإذا اجتـاز بـه السلطان صاح من بعدٍ لا إله إلا الله انصرني نصرك الله! فتؤخذ قصته وتدفع لكاتب السر فإذا عاد جلس في قبة معينة لجلوسه ويجلس معه أكابر أشياخه مقلدين السيوف ويقف من دونهم على بعد مصطفين متكئين على سيوفهم ويقرأ كاتب السر قصص أصحاب المظالم وغيرها فينظر فيها بما يراه. الجملة السادسة في شعار السلطان بهذه المملكة مها علمٌ أبيضٌ حريرٌ مكتوبٌ عليه بالذهب نسيجاً بأعلى دائره آياتٌ من القرآن يسمونه العلم المنصور كما في أفريقية وربما عبر عنه هؤلاء بسعد الدولة يحمل بين يديه في المواكب. ومنهـا - سيف ورمح ودرقة. يحملن بين يديه في المواكب أيضاً: يحملها ثلاثةٌ من خاصته من وصفانه أو من أبناء خدم سلفه. ومنها - أطبار تحمل حوله. ويعبرون عنها بالطبرزينات يحملها أكابر قواد علوجه من الفرنـج ورجالٌ من الأندلسيين خلفه وقدامه. ومنهـا - رمـاحٌ طـوالٌ وقصـارٌ. يحملهـا خمسون رجلاً مشاة بين يديه مشدودي الأوساط بيد كل واحد منهم رمحان: رمحٌ طويل ورمحٌٌ قصير وهو متقلد مع ذلك بسيف. ومنها - الجنائب. وهي خيـل تقـاد أمامـه عليهـا سـروج مخـروزة بالذهـب كالزركـش وركبهـا ذهبٌ كل ركاب زنته ألف دينار و وعليها ثياب سروج من الحرير مرقوقة بالذهب ويعبرون عن الجنائب بالمقادات وعن ثياب السروج بالبراقع. ومنها - الطبول تدق خلف ساقته وهي مـن خصائـص السلطـان ليـس لأحـدٍ مـن النـاس أن يضرب طبلة غيره حتى يمنع من ذلك أصحاب الحلق. ومنها - البوقات مع الطبل على العادة. الجلة السابعة في ركوبه لصلاة العيد قـال السلايحـي: وفـي ليلـة العيديـن ينـادي والـي البلـد فـي أهلها بالمسير ويخرج أهل كل سوقٍ ناحية ومع كل واحدٍ منهم قوس أو آلة سلاح متجملين بأحسن الثياب ويبيت الناس تلك الليلة أهل كـل سـوق بذاتهـم خـارج البلد ومع أهل كل سوق علم يختص بهم عليه زنك أهل تلك الصناعة بما يناسبهم. فإذا ركب السلطاتن بكرة اصطفوا صفوفـاً يمشـون قدامـه ويركـب السلطـان ويركـب العسكـر معه ميمنةٍ وميسرة والعلوج خلفه ملتفون به والأعلام منشورة وراءه والطبول خلفها حتى يصلي ثم يعود فينصرف أرباب الأسواق إلى بيوتهم ويحضر طعام السلطان خواصه وأشياخه. الجملة الثامنة في خروج السلطان للسفر ومن عادة هذا السلطان إذا سافر أن يخرج من قصره وينزل بظاهر بلده ثم يرتحل من هناك فيضرب له طبلٌ قبيل الصبح إشعاراً بالسفر فيتأهب الناس ويشتغل كل أحد بالأستعـداد للرحيل. فإذا صلى صلاة الصبح ركب الناس على قبائلهـم فـي منازلهـم المعلومـة ووقفـوا فـي طريـق السلطان صفاً إلى صف ولكل قبيل رجلٍ علمٌ معروف به ومكانٌ في الترتيب لا يتعداه فإذا صلى السلطـان الصبـح قعـد أمـام النـاس ودارت عليـه عبيـده ووصفائـه ونقبـاؤه ويجلـس نـاسٌ حوله يعرفون بالطلبة يجري عليهم ديوانه يقرأون حزباً من القرآن ويذكرون شيئاً من الحديـث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام!. فإذا أسفر الصبح ركل وتقدم أمامه العلم الأبيض المعروف بالعلم المنصور وين يديه الرجالـة بالسلاح والخيل المجنوبة بثياب السروج الموشية ويعبرون عن ثياب السروج بالبراقع. وإذا وضع السلطـان رجلـه فـي الركـاب ضـرب علـى طبـلٍ كبيـر يقـال لـه تريـال ثلـاث ضربات إشعاراً بركوبه. ثم يسيـر السلطـان بيـن صفـي الخيـل ويسلـم كـل صفٍ عليه بأعلى صوته سلامٌ عليكم ويكتنفانه يميناً وشمالأ وتضرب جميع الطبول التـي تحـت البنـود الكبـار الملونـة خلـف الوزيـر علـى بعـدٍ مـن السلطان ولا يتقدم أمام العلم الأبيض إلا من يكـون مـن خـواص علـوج السلطـان وربمـا أمرهـم بالجولان بعضهم على بعض ثم ينقطع ضرب الطبول إلى أن يقرب من المنزل. وإذا ركب السلطان لا يسايره إلا بعض كبار الأشياخ من بني مرينٍ أو بعض عظماء العرب وإذا استدعـى أحـداً لا يأتيـه إلا ماشياً ثم ربما حدثه وهو يمشي وربما أكرمه فأكرمه بالركوب. فإذا قرب السلطان من المنزل تقدمت الزمالة: وهم الفراشون ويضربون شقة من الكتان في قلبها جلـود يقـوم بهـا عصـيٌ وحبـالٌ مـن القصـب فـي أوتاد وتستدير على كثيرٍ من الأخبية وبيوت الشعر الخاصـة بـه وبعيالـه وأولـاده الصغار تكون هذه الشقة كالمدينة لها أربعة أبواب في كل جهةٍ بابٌ وهذه الشقة هي المعبر عنها في الديار المصرية بالحوش ويحف به عبيده وعلوجه ووصفانه ويضرب للسلطان أمام ذلك قبةٌ كبيرةٌ مرتفعةٌ من كتانٍ تسمى قبة الساقة لجلوس الناس فيها وحضورهم عنده بها وهذه هي التي تسمى بمصر المدورة. وإذا عاد السلطان إلى حضرة ملكه ضربت البشائر سبعة أيام وأطعم الناس طعاماً شاملاً في موضعٍ يسع كافتهم. الجملة التاسعة في مقدار عسكر هذه المملكة قـال فـي مسالـك الأبصـار: سألـت أبـا عبـد اللـه السلايحي عن عدة هذا العسكر في سلطنة أبي الحسن المريني وكان ابن جرار قد قال إن عسكره مائة ألف وأربعون ألفاً - فقال: الذي نعرفه قبـل فتحـه تلمسـان أن جريدتـه المثبتـة فـي ديوانـه لا تزيـد علـى أربعيـن ألـف فـارس غير حفظة المدن والسواحـل إلا أنه يمكنه إذا استجاش لحربٍ عليه أن يخرج في جموعٍ كثيرة لا تكاد تنحصر وأنه يمكن أن يكون قد زاد عسكره بعد فتح تلمسان مثل ذلك. الجملة العاشرة قال في مسالك الأبصار: جرت العادة أنه إذا انتهى الكاتب إلى آخر الكتاب وكتب تاريخه كتـب السلطـان بخطـه فـي آخـره مـا صورتـه وكتـب فـي التاريـخ المـؤرخ بـه ونقـل عـن السلايحـي أن ذلك ممـا أحدثـه أبـو حفـص عمـر المرينـي عـم السلطـان أبـي الحسـن فـي سلطنتـه وتبعـه السلطان أبو الحسن على ذلك مع وثوقه بكاتب سره حينئذ: الفقيه الفاضل أبي محمد عبد المهيمن بن الحضرمي واعتماده عليه ومشاركته له في كل أمره. المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر قـال فـي مسالـك الأبصـار: فـي جنـوب الغـرب بيـن مملكـة بـر العـدوة وبيـن بلـاد مالـي ومـا معهـا من بلاد السودان ثلاثة ملوك من البربر بيضٌ مسلمون: وهم سلطان أهير وسلطان دمونسة وسلطان تادمكة كل واحد منهم ملك مستقل بنفسه لا يحكم أحدٌ منهم على الآخر وأكبرهم ملك أهير وزيهم نحو زي المغاربـة: يلبسـون الدراريـع إلا أنهـا أضيـق وعمائـم بأحنـاك وركوبهـم الأبـل ولا خيل عندهم ولا للمريني عليهم حكم ولا لصاحب مالي ولا خبز عندهم وعيشهم عيش أهل البر من اللحم واللبن أما الحبوب عندهم فقليلة وهم في قلة أقوات. ونقل عن الشيخ عيسى الزواوي أن لهم جبالأ عامرةً كثيرة الفواكه. وذكر أن ما بأيدي الثلاثة تقدير نصف ما لملك مالي من ملوك السودان أو أرجح بقليل ولكن صاحب مالي أكثر في تحصيل الأموال لاستيلائه على بلاد الذهب وما يباع بمملكته من السلع وما يغنمه في الغزوات مـن بلـاد الكفـار لمجاورتـه لهم بخلاف هؤلاء فإنه ليس لهم يد تمتد إلى كسبٍ بل غالب أرزاقهم مـن دوابهـم. ثـم قـال: ودون هؤلاء فيما بينهم وبين مراكش من بلاد المغرب جبال المصامدة وهم خلقٌ لا يعد وأمم لا تحصى وهم يفتخرون بالشجاعة والكرم. ثم ذكر أنهم كانوا لا يدينون لسطان إلا أنهم دانوا للسلطان أبي الحسن المريني ودخلوا تحت ذيل طاعته على أنهم لا يملكون أحداً قيادهم ولا يسلمون إليه بلادهم. وبكل حال فهم معه بين صحة واعتلال. المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس قـال فـي تقويـم البلـدان: بفتـح الألـف والـدال المهملـة وسكـون النـون بينهمـا وضـم اللـام ثـم سين مهملة. وهي مقابل بر العدوة من بلاد المغرب وبينهما بحر الزقاق الذي هو فم بحر الروم وقد تقدم ذكره في الكلام على الأبحر في أول هذه المقالة. وقد اختلف في سبب تسمية الأندلس بهذا الأسم: فقيل ملكته أمة بعد الطوفان يقال لها الأندلـش بالشيـن المعجمـة فسمـي بهـم ثـم عـرب بالسيـن المهملـة وقيـل خـرج مـن رومـة ثلاثـة طوالع في ديـن الـروم يقـال لأحدهـم القندلـش بالقاف في أوله وبالشين المعجمة في آخره فنزل القندلش هذه الـأرض فعرفت به ثم عربت بإبدال القاف همزةً والشين المعجمة سيناً مهملة. ويقال: إن اسمه القديـم أفاريـة ثـم سمـي باطقـة ثـم سمـي أشبانية ثم سمي الأندلس باسم الأمة المذكورة. قال في تقويم البلدان: وسميت جزيرة لإحاطة البحر بها من الشرق والغرب والجنوب وإن كان جانبه الشمالي متصلاً بالبر كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى. وفيه ست جمل: في ذكر سمك أرضه وحدوده قال في تقويم البلدان: وجزيرة الأندلس على شكل مثلث: ركنٌ جنوبي غربي وهناك جزيرة قـادس وفـم بحـر الزقاق. وركن شرقي بين طركونة وبين برشلونة وهي في جنوبيه وبالقرب من بلنسية وطرطوشة وجزيرة ميورقة. وركن شمالي بميلة إلى البحر المحيط حيث الطول عشر درجات ودقائق والعرض ثمان وأربعون. وهناك بالقرب من الركن مدينة شنتياقوه وهي على البحـر المحيـط فـي شمالي الأندلس وغربيها. قال: والضلع الأول من الركن الجنوبي الغربي - وهو الذي عند جزيرة قادس - إلى الركن الشرقي الذي عند ميورقـة وهـذا الضلـع هـو ساحـل الأندلس الجنوبي الممتد على بحر الزقاق. والضلع الثاني من الركن الشرقي المذكور إلى الركن الشمالـي الـذي عنـد شنتياقـوه وهذا الضلع هو حد الأندلس الشمالي ويمتد على الجبل المعروف بجبـل لبـرت الحاجـز بيـن الأندلس وبين أرض تعرف بالأرض الكبيرة وعلى ساحل الأندلس الممتد على بحر برديل والضلع الثالث من الركن الشمالي المذكور إلى الركن الجنوبي المقدم الذكر وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الغربي الممتد على البحر المحيط. قال ابن سعيد: قال الحجاري: وطول الأندلس من جبل البرت الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيـرة وهـو نهايـة الأندلـس الشرقيـة إلـى أشبونـة: وهـي فـي نهاية الأندلس الغربية ألف ميل وعرض وسطـه مـن بحـر الزقـاق إلـى البحـر المحيـط عنـد طليطلـة وجبـل البـرت ستـة عشـر يومـا. قـال فـي تقويـم البلدان: وقد قيل إن طوله غربا وشرقا مـن أشبونـة: وهـي فـي غـرب الأندلـس إلـى أربونـة: وهـي فـي شرق الأندلس مسيرة ستين يوما وقيل: شهر. قال: وهو الأصح. واعلم أن جبل البرت المقدم ذكره متصل من بحر الزقاق إلى البحر المحيط وطوله أربعون ميلا وفيـه أبـواب فتحهـا الأوائـل حتـى صـار للأندلـس طريـق فـي البر من الأرض الكبيرة وقبل فتحها لم يكـن للأندلس من الأرض الكبيرة طريق. وفي وسط الأندلس جبل ممتد من الشرق إلى الغرب يقال له جبل الشارة يقسمه بنصفين: نصف جنوبي ونصف شمالي. الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن وهو يشتمل على عدة قواعد ومضافات القاعدة الأولى غرناطة قال في تقويم البلدان: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح النون وألف وطاء مهملة وهاء في الآخر. ويقال: أغرناطة بهمزة مفتوحة في أولها. وهي مدينة في جنوب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: ومملكتها في الجنوب والشرق عن مملكة قرطبة وبينها وبين قرطبة نحو خمسة أيام. قال: وغرناطة في نهاية الحصانة وغايـة النزاهـة تشبـه دمشـق مـن الشـام وتفضـل عليهـا بـأن مدينتها مشرفة على غوطتها وهي مكشوفة من الشمال وأنهارها تنصب من جبل الثلج الذي هو من جنوبيها وتتخرق فيها وعليها الأرحي داخل المدينة ولها أشجارٌ وثمار ومياه مسيرة يومين تقع تحت مرأى العين لا يحجبها شيء. قـال فـي مسالـك الأبصـار: ولهـا ثلاثـة عشـر ب أبـا: باب إلبيرة وهو أضخمها وباب الكحل وباب الرخاء وباب المرضى واب المصرع وباب الرملة وباب الدباغين وباب الطوابين وباب الفخارين وباب الخندق وباب الدفاف وباب البنود وباب الأسدر. وحولها أربعة أرباض: ربض الفخارين وربض الأجـل وهـو كثيـر القصـور والبساتيـن وربـض البيازين بناحية باب الدفاف وهو كثير العمارة يخرج منه نحو خمسة عشر ألف مقاتل وهو ربضٌ نستقلٌ بحكامه وقضاته وغير ذلك. وجامعها من أبدع الجوامع وأحسنها منظراً وهو محكم البناء لا يلاصقه بناء تحف به دكاكين الشهـود والعطاريـن وقد قام سقفه على أعمدة حسان والماء يجري داخله ومساجدها ورباطاتها لا تكاد تحصى لكثرتها. وذكر في مسالك الأبصار: أنها قليلة الرياح لا تجري بها الريح إلا نادراً لاكتناف الجبال إياها. ثم قال: وأصل أنهارها نهران عظيمان شنيل و حدره. أما شنيل فينحدر من جبل شكير بجنوبيها ويمر على غربي غرناطة إلى فحصها يشق فيها أربعين ميلاً بين بساتين وقرى وضياعً كثيرة البيوت والغلال وأبراج الحمام وغير ذلك. قال: وينتهي فحصها إلى لوشة حيث أصحاب الكهف على قول وجبل شكير المذكور هو طود شامخ لا ينفك عنه الثلج شتاءً ولا صيفاً فهو لذلك شديد البرد ويؤثر برده بغرناطة في الشتاء: لقربه منها إذ ليس بينه وبينها سوى عشرة أميال. وفي ذلك يقول ابن صدرة الشاعر قاتله الله: طويل. فـراراً إلـى نار الجحيم لأنها أرق علينا من شكير وأرحم! لئن كان ربي مدخلي في جهنمٍ ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم! وأمـا حـدره فينحـدر مـن جبـلٍ بناحيـة وواديـاش شرقـي شكيـر فيمـر بيـن بساتيـن ومـزارع وكروم إلى أن ينتهي إلى غرناطة فيدخلها على باب الدفـاف بشرقيهـا يشـق المدينـة نصفيـن تطحـن بـه الأرحـاء بداخلهـا وعليـه بداخلهـا خمـس قناطـر: وهـي قنطـرة ابـن رشيـق وقنطـرة القاضـي وقنطرة حمام جاس والقنطرة الجديدة وقنطرة الفود وعلى القناطر سواقٍ ومبان محكمة. والمـاء يجـري مـن هذا النهر في جميع البلد: في أسواقه وقاعاته ومساجده يبرز في أماكن على وجه الأرض وتخفى جداوله تحتها في الأكثر وحيث طلب الماء وجد وبالمدينة جبلان يشقان وسطها يعرف أحدهما بالخزة وموزور. والثاني بالقصبة القديمة وبالز. وبها دور حسان وعلالي مشرفة على فحصهـا فيـرى منهمـا منظـراً بديعـاً مـن فـروع الأنهـار والمزدرعات وغير ذلك مما يقصر عنه التخييل والتشبيه. وقد صارت قاعدة ملك الأسلام بالأندلس بيد ملوكها من بني الأحمر الأتي ذكرهم في الكلام على ملوكها. قال في مسالك الأبصار: وبها من الفواكه التفاح والقراصيا البعلبكية التي لا تكاد توجد في الدنيا منظراً وحلاوةً حتى أنها ليعصر منها العسل. وبها الحوز والقسطل والتين والأعناب والخوخ والبلوط وغير ذلك. وبجبـل شكير المقدم ذكره عقاقير الهند وعشب يستعمل في الأدوية يعرفها الشجارون لا توجد في الهند ولا في غيره. قال في التعريف: ومقر سلطانها القصبة الحمراء. قال: ومعنى القصبة عندهم القلعة وتسمى حمراء غرناطة. قال في تقويم البلدان: وهي قلعةٌ عالية شديدة الأمتناع. قـال فـي مسالـك الأبصـار: وهي بديعةٌ متسعةٌ كثيرة المباني الضخمة والقصور ظريفة جداً يجري بهـا المـاء تحـت بلـاط كما يجري في المدينة فلا يخلو منه مسجدٌ ولا بيتٌ وبأعلى برج منها عين ماءٍ وجامعها من أبدع الجوامع حسناً وأحسنها بناءً وبه الثريات الفضية معلقة وبحائط محرابه أحجار ياقوت مرصفة في جملة مانمق به من الذهب والفضة ومنبره من العاج والأبنوس. قـال فـي تقويـم البلـدان: فـي الكلـام علـى الأندلـس: ولم يبق للمسلمين بها غير غرناطة وما أضيف إليها مثل الجزيرة الخضراء والمرية. وهي ممتدة على بحر الزقاق وما يلي ذلك. ثم قال: وأولها من جهة المشرق المرية وهي أول مراسي البلاد الأسلامية. قال في تقويم البلدان: وكانت القاعدة قبل غرناطة حصن إلبيـرة فخـرب فـي زمـن الأسلـام وصارت القاعدة غرناطة. وقد عد في مسالك الأبصار من هذه المملكة عدة بلاد مضافة إلى مملكة غرناطة الآن. منهـا المريـة قـال في المشترك: بفتح الميم وكسر الراء المهملة وتشديد المثناة من تحت وفي آخرها هاء. وهي مدينة بين مملكتي مالقة ومرسية موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول أربع عشرة درجة والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتان وأربعون دقيقة. قال: وهي مدينة مسورة على حافة الزقاق وهي باب الشرق ومفتاح الرزق ولها بر فضي وساحل تبري وبحرٌ زبرجدي وأسوارها عالية وقلعتها منيعةٌ شامخة وهواؤها معتدلٌ ويعمل بها من الحرير ما يفوق الجمال. قال في مسالك الأبصار: والمرية ثلاث مدين. لها سور محفوظ من العدو بالسمار والحراس ولا عمارة فيها ويليها إلى الشرق المدينة القديمة وتليها المدينة الثالثة المعروفة بمصلى المرية وهي أكبر الثلاث. ولها قلعةٌ بجوار القديمة من جهة الشمال وتسمى القصبة في عرفهم. قال: وهما قصبتان في غاية الحسن والمنعة. وساحل المرية أحسن السواحل وحولها حصون وقرى كثيرة وجبال شامخة. وجامعها الكبير بالمدينة القديمة وهو من بديع الجوامع. وهي مدينة كثيرة الفواكه. وأكثر زرعها بالمطر وعليه يترتب الخصب وعدمه وإليها تجلب الحنطة من بر العدوة وبها دار صناعة لعمارة المراكب وبينها وبين غرناطة مسيرة ثلاث أيام. وكانت في الزمن الأول قبل إضافتها إلى غرناطة مملكة مستقلة. ويقال إن وادي المرية من أبدع الأودية على أن ماءه يقل في الصيف حتى يقسط على البساتين. قال في مسالك الأبصار: وعلى وادي المرية: بجانة. قال: وهي الآن قرية عظيمة جداً ذات زيتونٍ وأعنابٍ وفواكه مختلفةٍ وبساتين ضخمةٍ كثيرة الثمرات. ومنها شلوبين بفتح الشين المعجمة وضم اللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء وسماها في تقويم البلدان: شلوبينية. ثم قال: وهو من حصون غرناطة البحرية على بحر الزقاق ومنه أبـو علـي عمـر بـن محمـد الشلوبيني إمام نحاة المغرب. قال صاحب حماة: وقد غلط من قال الشلوبيني هو الأشقر بلغة الأندلس. قال في مسالك الأبصار: وبها يزرع قصب السكر وعـي معـدة لإرسـال مـن يغضـب عليـه السلطان من أقاربه. ومنها المنكب. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينةٌ على القرب من شلوبين دون المرية وبها دار صناعة لإنشاء السفـن وبهـا قصـب السكـر منهـا يحمـل السكـر إلـى البلـاد وبهـا المـوز ولا يوجد في بلد من البلاد الأسلامية هنالك إلا بها إلا ما لا يعتبر وبها زبيبٌ مشهور الأسم. ومنها بلش. وهي مدينة تلي المنكب من جهة الغرب كثيرة التين والعنب والفواكه. قال أبو عبد الله بن السديد: ليس بالأندلس أكثر عنباً وتيناً يابساً منها. ومنها مالقة قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وألف كسر اللام وفتح القاف وهاء في الآخر. وهي مدينة من جنوب الأندلس موقها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. وقياس ابن سعيد أنها حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقةً والعرض ثمانٌ وثلاثون درجة وأربـع وخمسـون دقيقـة: وكانـت فـي القديـم مملكـة مستقلـة ثـم أضيـف الـآن إلى غرناطة وملكها حتى مملكة قرطبة وهي بين مملكتي إشبيلية وغرناطة وهي على بحر الزقاق وبها الكثير من التين واللوز الحسن المنظر. ومنها ينقل يابساً إلى جيمع الأندلس. قـال فـي مسالك الأبصار: ولها ربضان عامران: أحدهما من علوها والأخر من سفلها وجامعها بديع وبصحنه نارنج ونخلة نابتة وبها دار صناعة لإنشاء المراكب وهي مختصة بعمل صنائع الجلد: كالأغشية والحزم والمدورات وبصنائع الحديد: كالسكين والمقص ونحوهما. وبها الفخار المذهب الذي لا يوجد مثله في بلد. قـال ابـن السديـد: وبهـا سـوق ممتـدٌ لعمـل الخـوص مـن الأطبـاق ومـا فـي معناهـا ولها عدة حصون في أعمالها وفي أعمالها يوجد الحرير الكثير. ومنهـا مدينة مربلة بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وفتح اللام المشددة وهاء في الآخر. وهي مدينة صغيرة مما يلي مالقة من الغرب على الساحل. وبها الفواكه الكثيرة والسمك. ومنها أشبونة. وهي مما يلي مربلة من جهة الغرب على الساحل وهي نظيرها في كثرة الفواكه. ومنهـا جبـل الفتـح. وهـو الـذي نزلـه طـارقٌ عنـد فتـخ الأندلـس فـي أول الأسلام منيع جداً يخرج في بحر الزقاق ستة أميال وهو أضيق ما يكون عنده وقد كان هذا الجبل في مملكة الفرنج وأقام بيدهـم عـدة سنيـن ثـم أعـاده اللـه تعالـى إلـى المسليمـن فـي أيـام السلطـان أبـي الحسن المريني صاحب الغرب الأقصى في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية. ومنها الجزيرة الخضراء. وهي مما يلي جبل الفتح من الغرب على الساحل وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول تسع درج والعـرض خمـسٌ وثلاثـون درجـة وخمسون دقيقة. قال: وهي مدينةٌ أمام سبتة من بر العدوة من بلاد الغرب. وهي مدينةٌ طيبةٌ نزهةٌ توسطت مدن الساحل وأشرفت بسورها على البحر ومرساها من احسن المراسي للجواز وأرضها أرض زرعٍ وضرع وخارجها المياه الجارية والبساتين النضيـرة ونهرها يعرف بوادي العسل وعليه مكانٌ نزه يشرف عليه وعلى البحر يعرف بالحاجبية ومن مستنزهاتها مكان يعرف بالنقاء. قال ابن سعيد: وهي من أرشق الندن وأطيبها وأرفقها بأهلها وأجمعها لخير البر والبحر. قـال فـي مسالك الأبصار: وهي آخر البلاد البحرية الأسلامية للأندلس وليس بعدها لهم بلاد. ثـم قـال: وهـي الـآن بيـد النصـارى أعادها الله تعالى وقصمهم وقد عدها في تقويم البلدان: من كور إشبيلية مما يلي جانب نهرها من الجنوب. ومنها رندة بضم الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر. وهي بعيدة عن البحر. وعدها في تقويم البلدان من كور إشبيلية. ثم قال: وبها معقل تعمم بالسحاب وتوشح بالأنهار العذاب وذكر أنها من كبار البلدان ثم قال: وهي بلدة جليلة كثيرة الفواكه والمياه والحرث والماشية وأهلها موصوفون بالجمال ورقـة البشرة واللطافة وبينها وبين الجزيرة الخضراء مسيرة ثلاثة أيام. ومنها مدينة لوشة. قال في تقويم البلدان: وهي عن غرناطة على مرحلة بين البساتين والرياض. ومنها وادياش بفتح الواو والفٍ ثم دالٍ مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية وألف ثم شين معجمة. ويقال: وادآش بإبدال الياء همزةً. قال في مسالك الأبصار: وهي بلدةٌ حسنة بديعةٌ منيعةٌ جداً كثيرة الفواكه والمزارع والمياه تشق أمام أبوابها كمـا فـي غرناطـة قريبـة مـن جبـل شكيـر المقـدم ذكـره مـع غرناطة فلذلك هي شديدة البرد بسبب ما على الجبل المذكور من الثلج قـال: وهي بلدة مملقة وأهلها موصوفون بالشعر ويحكم بها الرؤساء من أقارب صاحب غرناطة ومنهـا بسطـة. وهـي بلـدة تلـي واديـاش المقـدم ذكرهـا. وعدهـا فـي تقويـم البلدان من أعمال جيان. قال في مسالك الأبصار: وهي كثيرة الزرع واختصت بالزعفران فيها منه ما يكفي أهل الملة الأسلامية بالأندلس على كثرة ما يستعملونه منه. ومنها أندراش. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينةٌ ظريفة كثيرة الخصب وتختص بالفخار لجودة تربتها فليس في الدنيا مثل فخارها للطبخ. إلى غير ذلك من البلدان مثل أرحصونة وأنتقيـرة وبرجـة وغيرها. قال في مسالك الأبصار: وحصون هذه المملكة كثيرةٌ جداً فليس بها من بلدٍ إلا وحوله حصون كثيرة محفوظة بولاة السلطان ورجالٍ تحت أيديهم. القاعدة الثانية أشبونة قـال فـي تقويـم البلـدان: بضـم الهمـزة وسكـون الشيـن المعجمـة وضـم الباء الموحدة ثم واو ونون وفي آخرها هاء. قال: وعن بعض المسافرين أن أولها لام. وهي مدينةٌ في غرب الأندلس وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ست درج وخمسٌ وخمسون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي قاعـدة مملكـةٍ علـى البحـر المحيـط فـي غربـي إشبيليـة وشماليهـا وغربـي باجـة. وهـي مدينـةٌ أزليـة ولها البساتيـن والثمـار المفضلـة على غيرها. قال ابن سعيد: وبينها وبين البحر المحيط ثلاثون ميلاً. وهـي علـى جانـب نهـر يودانـس. قـال فـي تقويـم البلـدان: وبزاتهـا خيـار البـزاة. قال: وكانت في آخر وقـت مضافـةً إلى بطليوس وملكها ابن الأفطس وذكر في العبر: أنها الآن قاعدة مملكةٍ من ممالك النصارى بالأندلس يقال لها مملكة البرتقال وأنها عمالة صغيرة وقد أضيفت الـآن إلـى أعمـال جليقية كما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس. ولها مضافات: منهـا شنتريـن قـال فـي تقويـم البلـدان بفتـح الشيـن المعجمـة وسكـون النـون وكسـر المثنـاة من فوق والراء المهملـة وسكـون المثنـاة مـن تحـت وفـي آخرهـا نـون فيمـا هو مكتوب بخط ابن سعيد. وهي مدينةٌ كانت في القديم من جليقية شمالي الأندلس ثم استقرت من أعمال أشبونة المقـدم ذكرهـا. موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان درج وعشر دقائـق والعـرض اثنتان وأربعون درجة وخمسٌ وثلاثون دقيقة وهي على بحر برطانية: وهو بحر برديل الخارج من البحر المحيط المقدم ذكره في الكلام على البحور وهي على نهر يصب في البحر وأرضها طيبة. ومنهـا شنتـرة. وهـي مدينـةٌ ذكرها في تقويم البلدان مع أشبونة استطراداً ونسبها إلى عملها ولم ومنها مدينة باجة بفتح الباء الموحدة وألف ثم جيم مفتوحة وهاء في الآخر. قال في تقويم البلـدان: وهـي شرقـي أشبونـة وهـي مـن أقـدم مدائن الأندلس وأرضها أرض زرعٍ وضرع وعسلها في نهاية الحسن ولها خاصية في حسن دباغ الأدم وكانت مملكةً مستقلةً. القاعدة الثالثة بطليوس قال في تقويم البلدان: بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وفتح المثنـاة التحتيـة وسكـون الـواو وسيـنٍ مهملـة في الآخر. وهي مدينة غرب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج والعرض ثمانٌ وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلـدان: ومملكتهـا فـي الشمـال والغـرب عـن مملكـة قرطبـة. وهـي فـي الغـرب بميلـة إلى الجنوب عـن مملكـة طليطلـة. وهـي مدينـة عظيمـةٌ فـي بسيـط مـن الـأرض مخضـرٍ علـى جانـب نهـر. قال: وهي مدينةٌ عظيمة إسلامية كانت بيد المتوكل بن عمر بن الأفطس وبنى بها المباني العظيمة وفيها يقول ابن الفلاس: بطليوس لا أنساك ما اتصل البعد! فلله غورٌ مـن جنابـك أو نجـد ولله دوحاتٌ تحفك بينهـا تفجر واديهـا كمـا شقـق البـرد ولها مضافات من أعمالها. منهـا مـاردة قـال فـي تقويـم البلدان: بفتح الميم ثم ألف وراء مهملة مكسورة ودال مهملة وهاء في الآخـر كمـا هـو فـي خـط ابـن سعيـد. وهـي مدينـةٌ علـى جنوبـي نهـر بطليـوس موقعهـا في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج وخمسٌ وخمسون دقيقة والعرض تسع عشرة درجة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة أزلية ولها ماءٌ مجلوبٌ تحير صنعته. قـال ابـن سعيـد: قـال الـرازي: وهـي إحـدى القواعـد التـي بنتهـا ملـوك العجم للقرار. قال: وكان قد اتخذها سلاطين الأندلس قبل الأسلام سريراً لملك الأندلس وكانت في دولة بني أمية يليها عظماء منهم ثم صار الكرسي بعد ذلك بطليوس وقد صارت الآن للنصارى. ويحكى أنه كان بكنيستها حجر يضيء الموضع من نوره فأخذته العرب أول دخولها. ومنهـا يابـرة بيـاء آخـر الحـروف وألـف وباء موحدة وراء مهملة وهاء في الآخر وهي مدينةٌ ذكرها في تقويم البلدان بعد ذكر بطليوس استطراداً. القاعدة الرابعة إشبيلية قـال فـي تقويـم البلـدان: بكسـر الألف وسكون الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ولام وياء ثانية تحتيه وفي آخرها هاء. قال: ومعنى اسمها المدينة المنبسطة. وهي مدينة أزلية في غرب الأندلس وجنوبيه على القرب من المحيط موقعها من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول تسع درج وعشر دقائق والعرض سبع وثلاثون درجـةً وثلاثون دقيقة. وهي على شرقي نهرها في الأعظم وجنوبيه ولها خمسة عشر ب أبا ومملكتهـا غربـي مملكـة قرطبـة فطـول مملكتهـا مـن الغـرب مـن عند مصب نهرها في البحر المحيط إلى أعلـى النهـر مـن الشـرق مما يلي مملكة قرطبة نحو خمس مراحل وعرضها من الجزيرة الخضراء على ساحـل الأندلـس الجنوبـي إلـى مملكـة بطليـوس فـي الشمال نحو خمسة أيام وبينها وبين قرطبة أربعة أيام وهي الآن بيد ملوك النصارى. ولها عدة كور في جنوبي نهرها وشماليه. فأما كورها التي في جنوبي نهرها وهي الأكثر: فمنها كورة أركش قال في تقويم البلدان: بالراء المهملة معقلٌ في غاية المنعة. ومنهـا كـورة شريـش قـال فـي تقويم البلدان: بفتح الشين المعجمة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة التحتية وشين معجمة في الآخر وإليها ينسب الشريشي شارح المقامات الحريرية. ومنها كورة طريف بفتح الطاء وكسر الراء المهملتين وسكون المثناة التحتية وفاء في الآخر. قـال فـي تقويـم البلـدان: ومـن الممالـك المضافـة لإشبيليـة مملكـة شلـب. وهي كورة ومدينة في غربي إشبيلية وشماليها على ساحل البحر المحيط بينها وبين قرطبة تسعة أيام وبشلبٍ هذه قصر يعرف بقصر الشراخيب وهو الذي يقول فيه بعض شعرائهم: طويل. وسلم على قصر الشراخيب عن فتًى له أبداً شوقٌ إلى ذلك القصر! القاعدة الخامسة قرطبة قـال فـي اللبـاب: بضـم القـاف وسكون الراء وضم الطاء المهملتين وباء موحدة وهاء في الآخر. قال في تقويم البلدان: هذا هو المشهور. وقال ابن سعيد: هي بلسان القوط بالظاء المعجمة ونقلـه عـن جماعـة. وهـي مدينـة غربـي نهـر إشبيلية في غرب الأندلس بجنوب وموقعها في أواخر الإقليـم الرابـع مـن الأقاليـم السبعـة. قـال ابـن سعيـد: حيث الطول عشر درج والعرض ثمان وثلاثون درجـة وعشـرون دقيقـة. قـال فـي تقويـم البلدان: ومملكة قرطبة شرقي مملكة إشبيلية. وهي في الجنوب والشرق عن مملكة بطليوس وفي الجنوب عن مملكة طليطلة ودور قرطبة ثلاثون ألف ذراع وهي أعظم مدن الأندلس وعليها سورٌ ضخم من الحجـر ولهـا سبعـة أبـواب وبلغـت عدة مساجدها ألفاً وستمائة مسجد وحماماتها تسعمائة حمام. وهي مدينةٌ حصينة. وقد ولها مضافاتٌ: منها مدينة الزهراء. وهي مدينة بناها الناصر الأموي في غربي قرطبة في سفح جبل. ومنها القصير. وهو حصنٌ في شرقي قرطبة على النهر وله كورة من أشهر كورها. ومنها حصن المدور. وهو المعقل العظيم المشهور وللروم به اعتناء عظيم. ومنها حصن مرادٍ. وهو حصنٌ في غربي قرطبة. ومنها كورة غافقٍ. وهي معاملة كبيرة. ومنها كورة إستجة. وغير ذلك. القاعدة السادسة طليطلة قـال فـي تقويـم البلـدان: بضـم الطـاء المهملة وفتح اللام وسكون المثناة من تحت وكسر الطاء الثانية ثـم لـام وهـاء في الآخر. وموقعها في آخر الإقليم الخامس قال ابن سعيد: حيث الطول خمس عشرة درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وثمان عشرة دقيقة. وهي مدينةٌ أزلية كانت قاعدة الأندلس في القديم وبها كان كرسي ملك لذريق: آخر ملوك القوط الذي انتزعها المسلمون منه. وهي الآن قاعدة ملك الأدفونش أكبر ملوك النصرانية بالأندلس المعروف بالفنـش. قـال فـي تقويـم البلـدان: وهـي من أمنع البلاد وأحصنها مبنيةٌ على جبلٍ عال والأشجار محدقـة بهـا من كل جهة ويصير بها الجلنار بقدر الرمانة من غيرها ويكون بها شجر الرمان عدة أنـواع ولهـا نهـر يمـر بأكثرهـا ينحـدر مـن جبـل الشارة من عند حصنٍ هناك يقال له باجة وبه يعرف نهر طليطلة فيقال: نهر باجة ومنها إلى نهاية الأندلس الشرقية عند الحاجز الذي هـو جبـل البرت نحو نصف شهر وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شلب. ولها مضافات: منهـا مدينـة وليـد بفتح الواو وكسر اللام وسكون المثناة من تحت ودال مهملة في الآخر. وموقعها فـي أواخـر الإقليـم الخامـس مـن الأقاليـم السبعـة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة واثنتـا عشـرة دقيقـة والعـرض ثمـانٌ وثلاثـون درجة وثلاث دقائق. قال في تقويم البلدان: وهي من أحسن المدن. وهي في الغـرب مـن طليطلـة فـي جنوبـي جبـل الشـارة الـذي يقسـم الأندلـس بنصفيـن. قال: ويحلها الفنش ملك الفرنج في أكثر أوقاته. ومنهـا مدينـة الفـرج بفتـح الفـاء والـراء المهملـة ثم جيم وهي مدينة شرقي طليطلة. وشرقيها مدينة سالم. قال ابن سعيد: ويقال لنهرها وادي الحجارة. ومنهـا مدينـة سالـم قـال ابـن سعيـد: وهـي بالجهـة المشهورة بالثغر من شرقي الأندلس. قال: وهي القاعدة السابعة جيان قال في تقويـم البلـدان: بفتـح الجيـم وتشديـد المثنـاة مـن تحـت وألـف ونـون فـي الآخـر. وموقعهـا فـي أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقـة والعـرض ثمـانٌ وثلاثـون درجة وسبعٌ وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: ومملكتها بين مملكتـي غرناطـة وطليطلـة. وهـي فـي نهايـةٍ مـن المنعـة والحصانـة. وهـي عـن قرطبة في جهة الشرق وبينهما خمسة أيام وهي من أعظم مدن الأندلس وأكثرها خصبـاً وكانـت بيـد بنـي الأحمـر أصحاب غرناطة فأخذتها الفرنج منهم بالسيف بعد حصارٍ طويل وبلادها كثيرة العيون طيبة الأرض كثيرة الثمار وبها الحرير الكثير. ولها مضافات: منها مدينة قبجاطة. وهي مدينةٌ نزهة كثيرة الخصب أخذها النصارى بالسيف أيضاً. ومنهـا بياسـة بفتـح الباء الموحدة وتشديد المثناة التحتية وألف ثم سين مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينة على نهر إشبيلية فوق إشبيلية طيبة الأرض كثيرة الزرع وبها الزعفران الكثير ومنها يحمل إلى الأفاق. ومنها مدينة آبدة بمد الهمزة المفتوحة وكسر الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وهاء في الآخر. وهـي مدينـةٌ إسلاميـة أحدثـت فـي دولـة بنـي أميـة بالأندلـس بجـوار بياسة إلا أنها ليست على النهر ولها عينٌ تسقي الزعفران. ومنها جبل سمنتان - وهو جبلٌ به حصون وقرًى كثيرة. ومنها معقل شقورة و حصن برشانة القاعدة الثامنة مرسية قـال فـي تقويـم البلـدان: بضـم الميـم وسكـون الـراء وكسـر السيـن المهملتيـن ثـم يـاء مثنـاة مـن تحتها وهاء في الآخـر. وموقعهـا فـي أوائـل الإقليـم الخامـس مـن الأقاليـم السبعـة قـال ابـن سعيـد: حيـث الطـول ثمـان عشرة درجة والعرض تسعٌ وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في تقويم البلدان: وهي مدينةٌ إسلاميـة محدثـةٌ بنيت في أيام الأمويين الأندلسيين قال: وهي من قواعد شرق الأندلس. وهي تشبه إشبيلية في غـرب الأندلـس بكثـرة المنـازه والبساتيـن وهـي فـي الـذراع الشرقـي الخـارج مـن عيـن نهر إشبيلية. ولها عدة منتزهات. ولها مضافات: منها مدينة مولة. وهي في غربي مرسية. ومنها مدينة أريولة وغير ذلك. القاعدة التاسعة بلنسية قـال في تقويم البلدان: بفتح الباء الموحدة واللام وسكون النون وكسر السين المهملة وفتح المثناة مـن تحـت وهـاء فـي الآخـر. وموقعهـا فـي أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيـث الطـول عشـرون درجـة والعـرض ثمـانٌ وثلاثون درجة وست دقائق. قال في تقويم البلدان: وهـي مـن شـرق الأندلـس شرقـي مرسية وغربي طرطوشة. وهي في أحسن مكان وقد حفت بالأنهار والجنان فلا ترى إلا مياهاً تتفرع ولا تسمع إلا أطياراً تسجع. وهي على جنب بحيرةٍ حسنةٍ على القرب من بحر الزقاق يصب فيها نهر يجري على شمالي بللنسية. ولها عدة منازه. منها الرصافة ومنيه ابن عامر وحيث خرجت منها لا تلقى إلا منازه. قال ابن سعيد: ويقال أن ضوء مدينة بلنسيـة يزيـد علـى ضـوء بلـاد الأندلـس وجوهـا صقيـل أبـداً لا يـرى فيـه مـا ولها مضافات: - وقد صارت الآن من مضافات برشلونة في جملة أعمال صاحبها من ملوك النصارى -. منها مدينة شاطبة بفتح الشين المعجمة وألف بعدها طاء مهملة مكسـورة ثـم بـاء موحـدة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينةٌ عظيمة ولها معقل في غاية الأمتناع وعدة مستنزهات: منها البطحاء والغدير والعين الكبيرة. وإليها ينسب الشاطبي صاحب القصيدة في القراءات السبع وقد صارت الآن مضافة إلى ملك برشلونة في يد صاحبها. ومنها دانية بفتح الدال المهملة وألف ثم نون مكسورة ومثناة تحتية مفتوحة وهاء في الآخر. وهـي من شرق الأندلس وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول تسع عشرة درجة وعشر دقائق. والعـرض تسـع وثلاثـون درجـة وسـت دقائـق. وهي غربي بلنسية على البحر عظيمة القدر كثير الخيـرات ولهـا عـدة حصون. وقد صارت الآن من مضافات برشلونة مع بلنسية على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس إن شاء الله تعالى. القاعدة العاشرة سرقسطة قـال فـي تقويـم البلـدان: بفتـح السيـن والـراء المهملتيـن وضـم القـاف وسكـون السين الثانية وفتح الطاء المهملة وهاء في الآخر. وهي مدينة من شرق الأندلس. موقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى وعشرون درجةً وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجةً وثلاثون دقيقة. قـال فـي تقويـم البلـدان: وهـي قاعـدة الثغـر الأعلـى وهـي مدينـة أزليـةٌ بيضـاء فـي أرض طيبـة قد أحدقت بها من بساتينها زمردة خضراء والتف عليها أربعة أنهار فأضحت بها مرصعةً مجزعة. ولها متنزهات: منها قصر السرور و مجلس الذهب. وفيهما يقول ابن هودٍ من أبيات: رمل. قصر السرور ومجلس الذهب بكما بلغت نهاية الطرب! القاعدة الحادية عشرة طرطوشة قال في تقويم البلدان: بضم الطاءين المهملتين وبينهما راء ساكنة مهملة ثم واو ساكنة وشين معجمـة وهـاءٌ فـي الآخـر. وهـي مدينـةٌ فـي شـرق الأندلـس موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وعشرون درجةً وثلاثون دقيقة والعرض أربعون درجـة. قـال: وهـي مـن كراسـي ملـك شـرق الأندلـس. وهـي شرقـي بلنسيـة في الجهة الشرقية من النهر الكبير الذي يمر على سرقسطة ويصب فـي بحـر الزقـاق علـى نحـو عشريـن ميـلاً مـن طرطوشة. قال: وشرقي طرطوشة جزيرة مايرقة في بحر الزقاق وإلى طرطوشة هذه ينسب الطرطوشي صاحب سراج الملوك. القاعدة الثانية عشرة برشنونة قـال فـي تقويـم البلـدان: بفتـح البـاء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو ثم نون مفتوحة وهاء في الآخـر. ويقـال برشلونـة بإبـدال النـون الأولـى لامـاً قـال فـي تقويـم البلـدان: وهـي خارجـة عـن الأندلـس فـي بلـاد الفرنـج وموقعهـا فـي أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول أربعٌ وعشرون درجةً وثلاثـون دقيقـةً والعـرض اثنتـان وأربعون درجةً. وهي الآن قاعدة ملك النصارى بشرق الأندلس وقد أضيف إليها أرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانيـة وميورقـة وغيـر ذلـك. علـى مـا يأتـي ذكـره فـي الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى. ينبلونة قـال فـي تقويـم البلـدان: بفتـح اليـاء المثنـاة مـن تحـت وسكون النون وضم الباء الموحدة واللام ثم واو ساكنـة ونـون مفتوحـة وهـاء فـي الآخـر. وموقعهـا فـي أوائـل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وعشرون درجةً وخمس عشرة دقيقة والعرض أربعٌ وأربعون درجـةً. قـال فـي تقويـم البلـدان: وهـي مدينـةٌ في غرب الأندلس خلف جبل الشارة. قال: وهي قاعـدة النبري: أحد ملوك الفرنج. وتعرف هذه المملكة بمملكة نبرة - بفتح النون وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر. وهي مملكةٌ فاصلة بين مملكتي قشتالة وبرشلونة وهي مما يلي قشتالة من جهة الشرق وسيأتي ذكرها في الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة الثالثة في ذكر أنهاره اعلم أن بالأندلس أنهاراً كثيرة قد تقدم ذكر الكثير منها وأعظمها نهران: الـأول نهـر إشبيليـة. قـال ابن سعيد: وهو في قدر دجلة وهو أعظم نهر بالأندلس ويسميه أهل الأندلـس النهـر الأعظـم. قـال فـي تقويـم البلـدان ومخرجـه مـن جبـال شقـورة حيـث الطول خمس عشرة درجـة والعـرض ثمـانٌ وثلاثـون وثلثان وهو يجري في لبتدائه من الشرق إلى الغرب ثم يصب إليه عدة أنهر. منهـا نهر شنيل الذي يمر على غرناطة. ونهر سوس الذي عليه مدينة إستجة ويسير من جبال شقـورة إلى جهات جيان ويمر على مدينة بياسة ومدينة آبدة ثم يمر على قرطبة ثم إذا تجاوز قرطبة وقرب من إشبيلية ينعطف ويجري من الشمال إلى الجنوب ويمر كذلك على إشبيلية وتكـون إشبيليـة علـى شرقيـه وطريانـة علـى غربيـه مقابـل إشبيليـة مـن البـر الآخـر ثـم ينعطف فيجري من الشرق إلى الغرب ثم يجاوز حتى يصب في البحر المحيط الغربي عند مكان يعرف ببر المائدة حيث الطول ثمان درج وربعٌ والعرض ستٌّ وثلاثون وثلثان وتكون جزيرة قـادس فـي البحر الرومي على يسار مصبه ويقع في هذا النهر المد والجزر من البحر كما في دجلة عند البصـرة ويبلـغ المـد والجـزر فيـه سبعيـن ميـلاً إلـى فوق إشبيلية عند مكان يعرف بالأرحى ولا يملح مـاؤه بسبـب المـد عنـد إشبيليـة بـل يبقـى على عذوبته وبين إشبيلية وبين مصب النهر في البحر خمسون ميلاً فالمد يتجاوز أشبيلية بعشرين ميلاً والمد والجـزر يتعاقبـان فيـه كـل يـوم وليلـة وكلمـا زاد القمـر نـوراً زاد المـد والمراكـب لا تـزال فيـه منحـدرة مع الجزر صاعدةً مع المد وتدخـل فيـه السفن العظيمة الأفرنجية بوسقها من البحر المحيط حتى تحط عند سور إشبيلية. قال ابن سعيد: وعلى هذا النهر من الضياع والقرى ما لا يبلغه وصف. الثاني نهر مرسية. قال في تقويم البلدان: وهو قسيم نهر إشبيلية يخرجان من جبال شقورة فيمـر نهر إشبيلية مغرّباً على ما تقدم ويصب في البحر المحيط. ويمر نهر مرسية مشرّقاً حتى يصب في بحر الروم عند مرسية. الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس والظاهـر أن كـل مـا يوجد ببلاد المغرب أو غالبه يوجد به. وقد ذكر في تقويم البلدان أنه يوجد به من الوحش: الأيّل والغزال وحمار الوحش. ولا يوجد به الأسد البتة. وقد تقدم ذكر ما ببلدانـه مـن الفواكـه والثمـار فـي الكلام على بلاده فأغنى عن أعادته هنا. قال في تقويم البلدان: وبه عدة مقاطع رخام من الأبيض والأحمر والخمري والمجزع وغير ذلك. الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس وهم على طبقات الطبقة الأولى ملوكها بعد الطوفان قـال الـرازي فـي كتـاب الأستيعـاب فـي تاريـخ الأندلس: أول من ملكها بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قومٌ يعرفون بالأندلش بالشين المعجمة وبهم سمي الأندلـش ثـم عـرب بالسيـن المهملة وكانوا أهل تمجس فحبس الله عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم فأقفرت الأندلس وبقيت خاليةً مائة عام. وقال هروشيوش مؤرخ الروم: أول من سكنها بعد الطوفان قومٌ يقال لهم الأباريون وهم من ولـد طوبـال بـن يافـث بـن نـوح عليـه السلـام سكنوهـا بعد الطوفان. قال في الروض المعطار ويقال: إن عدد ملوكهم الذين ملكوا الأندلس مائةٌ وخمسون ملكاً. الطبقة الثانية الأشبانية ملكوا بعد طائفة الأندلش المتقدم ذكرهم قال الرازي: وأول من ملك أشبان بن طيطش وهو الذي غزا الأفارقة وحصر ملكهم بطارقة ونقـل رخامهـا إلى إشبيلية واتخذها دار ملكه وبه سميت وكثرت جموعه فعلا في الأرض وغزا مـن إشبيليـة إيليـاء: وهـي بيـت المقـدس بعـد سنتيـن من ملكه: خرج إليها في السفن فهدمها وقتل من اليهود مائة ألف. واسترق مائة ألف وفرق في البلاد مائة ألف ونقل رخام إيلياء والأتها وذخائرها إلى الأندلس. ويحكى أن الخضر عليه السلام وقف على أشبان هذا وهو يحرث أرضاً له أيام حداثته فقال له: يا أشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان فإذا أنت تغلبت على إيلياء فارفق بورثة الأنبياء! - فقال له أشبان: أساخرٌ بي رحمك الله أنى يكون هذا وأنا ضعيفٌ مهين فقير حقير - فقال: قدر ذاك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه فنظر أشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت فارتاع لذلك وذهب الخضر عنه وقد وقر ذلك في نفسه ووثق بكونه فترك الأمتهان وداخل الناس وصحب أهل الباس وسما بـه جـده فارتقـى فـي طلـب السلطان حتى نال منه عظيماً ودام ملكه عشرين سنةً واتصلت المملكة في بنيه إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكاً. الطبقة الثالثة الشبونقات وهي طائفـةٌ ثـارت علـى الأندلـس مـن رومـة فـي زمـن مبعـث المسيـح عليـه السلـام وملكـوا الأندلس والأفرنجة معها وجعلوا دار مملكتهم ماردة واتصل ملكهم إلى أن ملك أربعة وعشرون ملكـاً. ويقـال: إن منهـم كـان ذو القرنيـن. والذي ذكره هروشيوش مؤرخ الروم أن الذي خرج عليهم من رومة ثلاث طوالع من الغريقيين. وهم: الأنبيـون والشوانيـون والقندلـش واقتسمـوا ملكهـا: فكانت جليقية لقندلش ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية للشوانيين وكانت إشبيلية وقرطبة وجيان ومالقة للأنبيين حتى زحف عليهم القوط من رومة كما سيأتي. الطبقة الرابعة القوط خرجوا على الشبونقات فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة وانفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلـة دار ملكهـم دخشـوش ملـك القـوط وهـو أول مـن تنصـر مـن هؤلاء بدعاء الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرةً. وقال هروشيوش: إنه كان قد ولي عليهم ملك يقال له اطفالش. ثم ولي عليهم بعده ملك اسمه طشريك وقتله الرومانيون. ثم ولي مكانه ملك اسمه تالبه ثلاث سنين وزوج أخته من طودشيش ملك الرومانيين وصالحه وولي مكانه ملكٌ اسمه لذريق ثلاث عشرة سنة فزحف على الأندلس وقتـل ملوكهـا وطـرد الطوائف الذين كانوا بها وبقي الحال على ذلك نحواً من ثمانين سنة ثم هلك لذريق. وولي مكانه ابنه وريقش سبع عشرة سنة وانتقض عليـه البشكنـس إحـدى طوائـف القـوط فقهرهم وردهم إلى طاعته ثم هلك. وولي بعده الريك ثلاثاً وعشرين سنة ثم قتل في حرب الفرنج. وولي عليهم أشتريك بن طودريك وهلك بعد خمس سنين من ملكه. وولي عليهم بعده بشليقش أربع سنين. ثم ملك بعده ملكٌ آخر اسمه طوذريق إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بإشبيلية. وولي بعده ملك اسمه املريق خمس سنين. ثم ولي بعده ملك اسمه طودش ثلاث عشرة سنة. ثم ولي بعده طود شكل سنتين. ثم ملك بعده ملك اسمه أيلة خمس سنين وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وردهم إلى طاعته. ثم ولي بعده ملكٌ اسمه طنجاد خمس عشرة سنةً. ثم ولي بعده ملكٌ اسمه لوبيلذه ثماني عشرة سنة وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكنهم ثم قتل. وولي ابنه رذريق ست عشرة سنةً وهو الذي بنى البلاط المنسوب إليه بقرطبة. ولما هلك ولي بعده ملكٌ اسمه ليوبة سنتين. ثم ولي بعده ملكٌ اسمه بتريق سبع سنين. ثم ولي بعده ملكٌ اسمه عندمار سنتين. ثـم ملـك بعـده ملكٌ اسمه ششيوط ثمان سنين وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشام ولعهده كانت الهجرة. ثم ملك بعده ملكٌ اسمه رذريق ثلاثة أشهر. ثم ملك بعده ملكٌ اسمه شتنلة ثلاث سنين. ثم ولي بعده ملكٌ اسمه ششنادش خمس سنين. ثم ولي بعده ملكٌ اسمه خنشوند سبع سنين. ثم ولي بعده ملكٌ اسمه جنشوند ثلاثاً وعشرين سنة. ثم ملك بعده ملكٌ اسمه بانيه ثمان سنين. ثم ملك بعده رجلٌ اسمه أبقه ست عشرة سنة. ثم ملك بعده رجلٌ اسمه أيقه ست عشرة سنة. ثم ولي بعده رجلٌ اسمه غطسه أربع عشرة سنةً. ثم ولي بعده رجل اسمه لذريق سنتين وهو الذي غلبه المسلمون على الأندلس وفتحوها منه وهو آخر من ملك منهم. قال صحاب الروض المعطار: وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو لذريق ستةٌ وثلاثون ملكاً. الطبقة الخامسة ملوكها على أثر الفتح الأسلامي وكان فتحهـا فـي خلافـة الوليـد بـن عبـد الملـك: أحـد خلفـاء بنـي أميـة فـي سنـة اثنتيـن وتسعيـن وكـان من أمر فتحها أن طليطلة كانت دار الملك بالأندلس يومئذ وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به كي لا يفتح يعهد الأول بذلك للآخر كلما ملك منهم ملك زاد على ذلك البيت قفلاً. فلمـا ولـي لذريـق الأخيـر عـزم على فتح الباب والأطلاع على ما في البيت فأعظم ذلك أكابرهم وتضرعوا إليه في الكف فأبى وظن أنه بيت مال ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغاً لا شيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم متقلدو السيوف متنكبو القسي رافعو الرايات على الرماح وفي أعلاه كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي " إذا كسرت هذه الأقفال عن هـذا البيـت وفتـح هـذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها فوجم لذريق وعظم غمه وغم الأعاجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحرس على حالهم. وكان من سير الأعاجم أن يبعث أكابرهم بأولادهم ذكوراً كانوا أو إناثاً إلى بلاط الملك ليتأدبوا بأدبه وينالوا من كرامته حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضاً استئلافاً لآبائهم وكان للذريق عاملٌ على سبتة من بر العدوة يسمى يليان وله ابنة فائقة الجمال فوجه بها إلى دار لذريق على عادتهم في ذلك فوقع نظر لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسهـا فاحتالـت حتـى أعلمت أباها بذلك سراً فشق ذلك عليه وحلف ليزيلن سلطان لذريق ثم تلطف حتى اقتلع بنتـه مـن بيـت لذريـق ثـم لـم يلبـث يليـان أن كتب إلى موسى بن نصير أمير أفريقية من جهة الوليد بـن عبـد الملـك يحرضه على غزو الأندلس وحثه على ذلك ووصف له من حسنها وفوائدها ما دعاه إلى ذلك وهون عليه أمر فتحها. فتوثق منه موسى بن نصير بذلك ودعاً مولىً له كان على مقدماته يقال له طارق بن زياد فعقـد لـه وبعثـه إليها في سبعة الأف وهيأ له يليان المراكب فعبر البحر وحل بجبل هناك يعرف الـآن بجبـل طارق فوجد عجوزاً من أهل الأندلس - فقالت له: إنه كان لي زوج عالم بالحدثان وكان يحدث عن أمير يدخل بلدنا هذا ويصفه بأنه ضخم الهامة وأنت كذلك وكان يقول: إنه بكتفه الأيسر شامة عليها شعر فكشف طارق بن زياد ثوبه فإذا بالشامة كما ذكرت العجوز فاستبشر بذلك. ويحكـى أن رأى وهـو فـي المركب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد فاستيقظ مستبشراً وتيقن الفتح وهجم البلد فملكها. وكـان عسكـره قـد انتهـى إلـى اثنـي عشـر ألفاً إلا ستة عشر ولذريق في ستمائة ألف " والله يؤيد بنصره من يشاء ". وأقـام طـارق بالأندلس حتى قدم إليها مولاه موسى بن نصير المتقدم ذكره في رجب من السنة المذكورة. وأقـام موسـى فيهـا سنتيـن ثـم انصـرف إلـى القيـروان واستخلـف عليها ابنه عبد العزيز فنزل قرطبة واتخذهـا دار إمـارةٍ لهـم وتوجـه موسى سنة ست وتسعين بما سباه وما غنمه إلىالوليد بن عبد الملك ثم دس سليمان بن عبد الملك على عبد العزيز المذكور من قتله بالأندلس لاتهامه بموالأة أخيه الوليد. ثم وليها بعده عبد العزيز بن عبد الرحمن القيسي سنتين وثلاثة أشهر. ثم وليها السمح بن مالك الخولاني سنتين وتسعة أشهر. ثم وليها عنبسة بن سحيم الكلبي أربع سنين وخمسة أشهر. ثم وليها يحيى بن مسلمة سنتين وستة أشهر. ثم وليها حذيفة بن الأحوص القيسي سنةً واحدة. ثم وليها عثمان بن أبي نسعة الخثعمي خمسة أشهر. ثم وليها الهيثم بن عبيد خمسة أشهر. ثم وليها عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي سنتين وثمانية أشهر. ثم وليها عبد الملك بن قطن الفهري أربع سنين. ثم وليها عقبة بن الحجاج خمس سنين وشهرين. ثم وليها مفلح بن بشر القيسي أحد عشر شهراً. ثم وليها ثوابة الجذامي سنة واحدة. ثم وليها يوسف بن عبد الرحمن الفهري تسع سنين وتسعة أشهر. ثم كانت دولة بني أمية بالأندلس على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. الطبقة السادسة بنو أمية وكانت دار ملكهم بها مدينة قرطبة وأول من ملكها منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بـن الحكـم ويعرف بعبد الرحمن الداخل. وذلك أن بني العباس لما تتبعوا بني أمية بالقتل هرب عبد الرحمن المذكور ودخل الأندلس واستولى عليهـا فـي سنـة تسـع وثلاثيـن ومائـة مـن الهجـرة وقصـده بنـو أميـة مـن المشـرق والتجـأوا إليـه. وتوفي في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين ومائة. وملك بعده ابنه هشام وتوفي سنة ثمانٍ وسبعين ومائة. واستخلـف بعـده ابنـه الحكـم وفـي أيامـه استعـاد الفرنـج مدينـة برشلونـة فـي سنـة خمـس وثمانين ومائة وتوفي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ست ومائتين. وملـك بعـد ابنـه محمـد وتوفـي في سلخ صفر سنة اثنتين وسبعين ومائتين وعمره خمسٌ وستون سنة. وملك بعده ابنه المنذر وتوفي لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين. وبويع أخوه عبد الله يوم موته وتوفي في ربيع الأول سنة ثلثمائة. وولي بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد المقتول ابن عبد الله المتقدم ذكره وخوطب بأمير المؤمنيـن وتلقـب بالناصـر بعـد أن مضى من ولايته تسع وعشرون سنة عندما بلغه ضعف خلفاء العباسيين بالعراق وظهور الخلفاء العلويين بأفريقية ومخاطبتهم بأمير المؤمنين وتوفي في رمضان سنة خمسين وثلثمائة. وولي الأمر بعده ابنه الحكم وتلقب بالمستنصر وتوفي سنة ست وستين وثلثمائة. وعهد إلى ابنه هشام ولقبه المؤيد وبايعه الناس بعد أبيه فأقام إلى سنة تسع وتسعين وثلثمائة. ثـم غلبـه محمـد بـن هشـام بـن عبـد الجبـار بـن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره وتلقب بالمهدي في جمادى الأخرة من السنة المذكورة. ثم غلبه سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره فهرب محمد بن هشام المذكور واستولى على الخلافة في شوال من السنة المذكورة. ثم عاد هشام بن الحكم المتقدم ذكره في سابع ذي الحجة من السنة المذكورة. ثم عاد سليمـان بـن الحكـم المتقـدم ذكـره فـي منتصـف شـوال سنـة ثلـاثٍ وأربعمائـة ولقـب بالمستعين. ثم غلبه المهدي محمد بن هشام المتقدم ذكره في أخريات السنة المذكورة. ثم غلبه المستعين على قرطبة ثم قتل المهدي محمد بن هشام المذكور وعاد هشام المؤيد إلى خلافته هذا كله والمستعين محاصر لقرطبة إلى أن فتحها عنوةً سنة ثلاث وأربعمائـة وقتلـوا المؤيد هشاماً. ثم جاء علي بن حمود وأخوه قاسم من الأدارسة: ملوك الغرب في عساكر من البربر فملكوا قرطبـة سنـة سبـع وأربعمائة وقتلوا المستعين وأزالوا ملك بني أمية من الندلس واتصل ذلك في خلفهم سبع سنين. ثم غلب علي بن حمود المرتضي بالله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك ابن المرتضي عبد الرحمن بن الناصر أمير المؤمنين. ثـم اجمعـوا على رد الأمر لبني أمية ثم ولي بعد ذلك المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة. ثـم غلـب عليـه المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر أمير المؤمنين. ثم رجع الأمر إلى يحيى بن علي بن حمود سنة ست عشرة وأربعمائة. ثم بويع للمعتمد بالله هشام بن محمد أخي المرتضي من بني أمية سنة ثمان عشرة وأربعمائة. وتوفي بها سنة ثمان وعشرين وانقطعت دولـة الأمويـة مـن الأندلـس واللـه وارث الـأرض ومـن عليها. الطبقة السابعة ملوك بني حمود من الأدارسة ملوك الغرب كـان فـي جملـة جماعة المستعين: سليمان بن الحكم الأموي المتقدم ذكره القاسم وعلي ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بعد انقراض دولتهـم بفـاس وانتقالهـم إلـى غمـارة وقيـام رياستهـم بهـا فعقـد المسعيـن للقاسـم علـى الجزيـرة الخضـراء من الأندلـس ولعلـي علـى طنجـة وعملها من بر العدوة وطمعت نفس علي بن حمود صاحب طنجة فـي الخلافـة وعـم أن المؤيـد هشامـاً مـن بنـي أميـة عنـد حصارهـم إياه كتب له بعهد الخلافة فبايعوه بالخلافة وأجاز إلى مالقة فملكها ودخل قرطبة سنة سبع وأربعمائة وتلقب بالناصر لدين الله فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود الذي كان بطنجة وتلقب بالمأمون. ثـم غلبـه علـى ذلـك يحيـى بـن أخيه علي وزحف إلى قرطبة فملكها سنة ثنتي عشرة وأربعمائة وتلقب بالمعتلي وكانت له وقائع كان آخرها أن اتفقوا على تسليم المدائن والحصون له فعـلا سلطانـه واشتـد أمره وأخذ في حصار ابن عباد بإشبيلية فكبا به فرسه وقتل وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة. ثـم استدعـى قومـه أخـاه إدريـس بـن علـي بن حمود من سبتة وطنجة فبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم له الأمر بمالقة وتلقب بالمتأيد بالله وبايعه أهل المرية وأعمالها ورندة والجزيرة ومات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وبايع البربر بعده حسن بن يحيـى المعتلـي ولقبـوه المستنصـر وبايعتـه غرناطـة وجملـةٌ مـن بلـاد الأندلس ومات مسموماً سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. وكان إدريس بن حييى المعتلي معتقلاً فأخرج وبويع له سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهمـا ولقـب العالـي ثـم قتـل محمـداً وحسنـاً ابنـي عمـه إدريـس فثـار السودان بدعوة أخيهما محمدٍ بمالقة فأسلموه. وبويع محمد بن إدريس المتأيد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب بالمهدي وأقام بمالقة وأطاعته وبويع إدريس بن يحيى بن إدريس المتأيد ولقب بالموفق ولم يخطب له وزحف إليه إدريس المخلوع الملقب بالعالي ابن يحيى المعتلي من قمارش فبويع له بمالقة إلى أن هلك سنة سبع وأربعين. وبويع محمد الأصغر ابن إدريس المتأيد ولقب المستعلي وخطب له بمالقة والمرية ورندة وهلك سنة ستين وأربعمائة. وكان محمد بن القاسم بن حمود قد لحق بالجزيرة الخضراء سنة أربع عشرة وأربعمائة فملكها وتلقب بالمعتصم وبقي بها إلى أن مات سنة أربعين وأربعمائة. ثم ملكها من بعده ابنه القاسم ولقب الواثق وهلك سنة خمسين وصارت الجزيـرة الخضـراء للمعتضد بن عباد وانقرضت دولة بني حمود بالأندلس. الطبقة الثامنة ملوك الطوائف بالأندلس لما اضمحل أمر الخلافة من بني أمية وبني حمود بعدهم بالأندلس وثب الأمراء على الجهات وتفرق ملك الأندلس في طوائف من الموالي والوزراء وكابار العرب والبربر وقام كلٌ منهم بأمر ناحيةٍ وتغلب بعضهم على بعض وضعف أمرهم حتى أعطوا الأتاوة لملوك الفرنجة من بني فأما إشبيلية وغرب الأندلس فاستولى عليهما بنو عباد. كان أولهم القاضي أبو القاسم محمد بن ذي الوزارتين أبي الوليد ابن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف ابن نعيم اللخمي واستبد بإشبيلية بعد فرار القاسم بن حمود عن قرطبة انتزعها من أبي زيري وكان والياً عليها من جهة القاسم بن حمود المذكور وبقي بها إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. ولما مات قام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد وطالت أيامه وتغلب على أكثر الممالك بغرب الأندلس وبقي حتى مات سنة إحدى وستين وأربعمائة. وولي مكانه ابنه أبو القاسم محمد الملقب المعتمد فجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة بقرطبة من يد ابـن جهـور وفـرق أبنـاءه علـى قواعـد الملـك واستفحـل ملكـه بغـرب الأندلس وغلب على ما كان هناك من ملوك الطوائف وبقي حتى غلب أمير المسلمين يوسف بـن تاشفيـن علـى الأندلـس فقبـض عليـه ونقلـه إلى أغمات: قريةٍ من قرى مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة واعتقله بها إلى أن هلك سنة ثمانٍ وثمانون وأربعمائة. وأمـا قرطبـة فاستولـى عليهـا بنـو جهـور. وكـان رئيـس الجماعـة بقرطبـة أيـام فتنـة بني أمية أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبد الله بن محمد بن الغمر بن يحيى بن أبي المعافر بن أبي عبيدة الكلبي وأبو عبيدة هذا هو الداخل إلى الأندلس وكانـت لهـم وزراة بقرطبـة بالدولـة العامرية. ولما خلع الجند المقثتدر بالله آخر خلفاء بني أمية بالأندلس استبد جهور بالأمر واستولى على المملكة بقرطبة سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة وكان على سنـن أهـل الفضـل فأسنـدوا أمرهـم إليه إلى أن يوجد خليفة ثم اقتصروا عليه فدبر أمرهم إلى أن هلك في المحرم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وولي مكانه ابنه أبو الوليد محمد بن جهور فخلعه أهل قرطبة سنة إحدى وستين وأربعمائة وأخرجـوه ثـم فـوض التدبيـر إلـى ابنـه عبـد الملـك بـن أبي الوليد فأساء السيرة فأخرجوه عن قرطبة فاعتقل بشلطيلش إلى أن مات سنة ثنتين وستين. وولـي ابـن عبـاد على قرطبة ابنه سراج الدولة وقتله ابن عكاشة سنة سبع وستين ودعا لابن ذي النون يحيى بن إسماعيل وقدمها ابن ذي النون من بلنسية وقتبل بها مسموماً. وزحف المعتمد بن عباد بعد مهلكه إلى قرطبة فملكها سنة أربع وثمانين وأربعمائة. وأما بطليوس فكان بها عند فنتة بني أمية بالأندلس أبو محمد عبد الله بن مسلمة التجيبي المعروف بابن الأفطس واستبد بها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ثم هلك. فولي من بعده ابنه المظفر أبو بكر وعظم ملكه. وكان من أعظم ملوك الطوائف ومات سنة وولي بعده ابنه المتوكل أبو حفص بن عمر بن محمد المعروف بساجة ولم يزل بها إلى أن قتله يوسف بن تاشفين سنة تسع وثمانين وأربعمائة بإغراء ابن عباد به. وأما غرناطة فملكها أيام الفتنة زاري بن زيري بن مياد ثم ارتحل إلـى القيـروان واستخلـف علـى غرناطـة ابنـه فبـدا لأهـل غرناطـة أن بعثـوا إلـى ابـن أخيـه حيـوس بـن ماكس بن زيري من بعض الحصون فوصل وملك غرناطة واستبد بها وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وولي مكانه ابنه باديس وكانت بينه وبين بني عباد حروب وتوفي سنة سبع وستين وأربعمائة. وولـي حافـده المظفـر أبـو محمـد عبـد اللـه بـن بلكيـن بـن باديـس وولـى أخـاه تميمـاً بمالقة بعهد جده إلى أن خلعهما يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. وأمـا طليطلة فاستولى عليها بنو ذي النون وذلك أن الظافر بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون الهواري تغلب أيام الفتنة على حصن أفلنتين سنة تسع وأربعمائة وكانت طليطلة ليعيش بـن محمـد بـن يعيـش وليهـا فـي أول الفتنـة فلمـا مات سنة سبع وعشرين مضى إسماعيل الظافر إلى طليطلة فملكها وامتد ملكه إلى جنجالة من عمل مرسية ولم يزل بها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين. فولـي مكانـه ابنه المأمون أبو الحسن يحيى فاستفحل ملكه وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه ثم وولي بعده طليطلة حافده القادر يحيى بن إسماعيل بن المأمون بن يحيى بن ذي النون. وكان الطاغية أدفونش ملك الفرنج بالأندلس قد استفحل أمره عنـد وقـوع الفتنـة بيـن ملـوك الأندلس فضايق ابن النون حتى تغلب على طليطلة وخرج له عنها القادر يحيى سنة ثمان وسبعيين وأربعمائة وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية فقبل شرطه وتسلمها الأدفونش ملك الفرنج وبقيت معه إلى الآن أعادها الله تعالى إلى نطاق الأسلام. وأما شاطبة وما معها من شرق الأندلس فاستولى عليها العامريون بويع للمنصور عبد العزيز بن الناصر عبد الرحمن بن أبي عامر بشاطبـة سنـة إحـدى عشـرة وأربعمائـة أقامـه الموالـي العامريون عند الفتنة البربرية في زمن بني أمية فاستبد بها ثم ثار عليه أهل شاطبة فترك شاطبة ولحق ببلنسية فملكها وفوض أمره للموالي. وكان خيران العامري من مواليهم قد تغلب قبل ذلك على أربونة سنة أربع وأربعمائة ثم ملك مرسية سنة سبع ثم جيان والمرية سنة تسع وبايعوا جميعاً للمنصور عبد العزيز. ثم انتقض خيـران علـى المنصـور وسـار إلـى مرسيـة وأقـام ابن عمه أبا عامر محمد بن المظفر بن المنصور بن أبي عامر وجمع الموالي على طاعته وسماه المؤتمن ثم المعتصم ثم أخرج منها ثم هلك خيران سنة تسع عشرة وأربعمائة. وقام بأمره بعده الأمير عميد الدولة أبو القاسم زهير العامري وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حيوس فقتله بظاهرها سنة تسع وعشرين وأربعمائة وصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية. وكان قائده صمادح وابنه معن يتوليان حروبه مع مجاهد العامري صاحجب دانية فولى على المرية معن بن صمادح سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وغزا الموالي العامريين بشاطبة فغلبهم عليها. وولي على بلنسية ابنه عبد الملك فقام بأمره وجاهد المأمون بن ذي النون فغلبه على بلنسية وانتزعها منه سنة سبع وخمسين. ولما مات المأمون وولي حافده القادر على ما تقدم ذكره ولى على بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبي عامر فحسن له ابن هود الأنتقاض على القادر ففعل واستبد بها سنة ثمان وستين وأربعمائة حين تغلب المقتدر على دانية ثم هلك لسنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايته. وولـي ابنـه القاضـي عثمان فلما سلم القادر بن ذي النون طليطلة للأدفونش وزحف إلى بلنسية خلعوا القاضي عثمان خوفاً من استيلاء ملك الفرنج عليها. ثم ثار على القادر سنة ثلاث وثمانين القاضي جعفر بن عبد الله بن حجاف فقتله واستبد وأمـا معـن بـن صمادح قائد عبد العزيز بن أبي عامر فإنه أقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثلاث وثلاثين وتسمى ذا الوزارتين ثم خلعه. وولـى ابنـه المعتصـم أبـا يحيـى محمـد بـن معـن بـن صمـادح سنـة أربـع وأربعيـن ولـم يـزل بهـا أميـراً إلـى أن مات سنة ثمانين وأربعمائة. وولي ابنه أحمد وبقي حتى خلعه يوسغف بن تاشفين. وأما سرقسطة والثغر فاستولى عليهما بقية بني هود إذ كان منذر بن يحيى بن مطرف بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى بالأندلس وكانت دار إمارته سرقسطة. ولما وقعت فتنة البربر آخر أيام بني أمية استقل منذر هذا بسرقسطة والثغـر وتلقب بالمنصور وما مات سنة أربع عشر وأربعمائة. وولي مكانه ابنه يحيى وتلقب بالمظفر. وكـان أبـو أيـوب سليمـان بـن محمـد بـن هود بن عبد الله بن موسى مولى أبي حذيفة الجذامي من أهل نسبهم مستقلاً بمدينة تطيلة ولاردة من أول الفتنة. وجدهم هود هو الداخل إلى الأندلس فتغلب سليمان المذكور على المظفر يحيى بن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وملك سرقسطة والثغر من أيديهـم وتحـول إليهـا وتلقـب بالمستعين واستفحل ملكه ثم ملك بلنسية ودانية. وولى على لاردة ابنه أحمد المقتدر ومات سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. فولـي ابنـه أحمد الملقب بالمقتدر سرقسطة وسائر لثغر الأعلى وولى ابنه يوسف الملقب بالمظفر لاردة. ومات أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه. فولي بعده ابنه يوسف بن المؤتمن وكان له اليد الطولى في العلوم الرياضية وألف فيها التآليف الفائقة مثل المناظر والأستكمال وغيرهما ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. وولـي بعـده ابنـه أحمد الملقب بالمستعين ولم يزل أميراً بسرقسطة إلى أن مات شهيداً سنة ثلاثٍ وخمسمائة في زحف ملك الفرنج إليها. وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عاد الدولة وزحف إليه الطاغية أدفونش ملك الفرنج فملك منه سرقسطة وأخرجه منها واستولى عليها سنة ثنتي عشرة وخمسمائة ومات سنـة ثلـاث عشرة. وولي ابنه أحمد وتلقب سيف الدولة والمستنصر وبالغ في النكاية في الطاغية ملك الفرنج ومات سنة ست وثلاثين وخمسمائة. وكان من ممالك بني هود هؤلاء طرطوشة وقد كان ملكها مقاتلٌ أحد الموالي العامريين سنة وملكها بعده يعلى العامري ولم تطل مدته. وملكهـا بعـده نبيـل أحدهـم إلى أن نزل عنها لعماد الدولة أحمد بن المستعين سنة ثنتين وخمسين وأربعمائـة فلـم تـزل فـي يـده ويـد بنيـه بعـده إلـى أن غلـب عليها العدو المخذول فيما غلب عليه من شرق الأندلس. وأما دانية وميورقة فاستولى عليهما مجاهد بن علي بن يوسف مولى المنصور بن أبي عامر وذلـك أنـه بعـد الفتنـة كـان قـد ملـك طرطوشـة ثـم تركهـا وسار إلى دانية واستقر بها وملك ميورقة ومنورقـة وبياسة واستقل بملكها سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وولى عليها ابن أخيه عبد الله ثم ولـى عليهـا بعـد ابـن أخيـه مولاه الأغلب سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة. وهلك مجاهدٌ سنة ست وثلاثين وأربعمائة. وولـي ابنـه علـي وتلقـب إقبـال الدولـة ودام ملكـه ثلاثاً وثلاثين سنةً ثم غلبه المقتدر بن هود على دانية سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة ونقله إلى سرقسطة فمات قريباً من وفاة المقتدر سنة أربع وسبعيـن وأربعمائـة وبقـي الأغلـب مولـى مجاهـد علـى ميورقة وكان كثير الغزو في البحر فاستأذن علي بن مجاهد في الغزو واستخلف على ميورقة صهره سليمان بن مشكيان نائباً عنه فأقام سليمان خمس سنين ثم مات فولى علي بن مجاهد مكانه مبشراً وتسمى ناصر الدولة فأقام خمـس سنيـن وانقـرض ملـك علي بن مجاهد وتغلب عليه المقتدر بن هود فاستقل مبشر بميورقة ولـم يـزل يـردد الغـزو إلـى بلـاد العـدو حتـى جمـع لـه طاغيـة برشلونـة وحاصـره بميورقة عشرة أشهر ثم اقتلعهـا منـه واستباحهـا سنـة ثمان وخمسمائة وكان مبشر قد بعث بالصريخ إلى علي بن يوسف صاحب المغرب فلم يواف أسطوله بالمدد إلا بعد تغلب العدو عليها وموت مبشر فما وصل العساكر والأسطول دفعوا عنها العدو وولى علي بن يوسف عليها من قبله وانود بن أبي بكر اللمتونـي ثـم عسـف بهـم فولـى عليهـا يحيـى بـن علـي بـن إسحاق ابن غانية صاحب غرب الأندلس فبعـث إليهـا أخـاه محمـد بـن علـي فأقـام فـي ولايتهـا عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى وسلطانهم علـي بـن يوسـف واستقـرت ميورقـة في ملك بني غانية وكانت لهم بها دولة ثم ملكها الموحدون وانقرض أمر بني غانية وبقيت في أيدي الموحدين حتى ملكها الفرنج من أيديهم آخر دولتهم. وأما غرناطة فاستولى عليها زاري بن زيري بن مياد الصنهاجي ثم عن له أن قدم على المعز بـن باديـس صاحـب أفريقيـة وهـو حفيـد أخيه بلكين فقدم عليه واستخلف مكانه بغرناطة ابناً له فأسـاء السيـرة فيهـم فأرسلـوا إلـى ابـن عمـه حيـوس بـن ماكـس بـن زيري فحضر إليهم فبايعوه وعظم فيها سلطانه إلى أن مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وولي من بعده ابنه باديس بن حيوس وتلقب بالمظفر وهو الذي مصر غرناطة واختط قصبتها وشيد قصورها وحصن أسوارها ومات سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقد ظهر أمر المرابطين بالمغرب. وولي مـن بعـده حافـده عبـد اللـه بـن بلكيـن بـن باديـس فبقـى بهـا إلـى أن أجـاز يوسـف بـن تاشفيـن إلـى الأندلس ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فقبض على عبد الله المذكور. الطبقة التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة: ملوك الغرب المتغلبين على الأندلس لمـا غلـب أميـر المسلميـن يوسـف بن تاشفين أمير المرابطين على بلاد المغرب واستولى عليها وكان الأندلـس قـد تقسـم بأيـدي ملوك الطوائف كما تقدم وكان الطاغية ابن الأدفونش ملك الجلالقة قد طمـع فـي بلـاد الأندلـس بعـث أهـل الأندلـس إلـى أميـر المسلميـن يستصرخون به فلبى دعوتهم وسار إلى الأندلس. ونـزل الجزيـرة الخضـراء فـي سنة تسع وسبعين وأربعمائة ودفع الأدفونش وسار تارة ببلاد المغرب وتـارة ببلـاد الأندلـس وملـك إشبيليـة وبلنسيـة واستقل عبد الله بن بلكين عن غرناطة وأخاه تميماً عـن مالقـة وغلـب المعتـد بـن عبـاد علـى جميـع عملـه واستنزل ابنه المأمون عن قرطبة وابنه الراضي عن رندة وقرمونة وانتزع بطليوس من صاحبها عمر بن الأفطس وانتزع عامة حصون أندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود وانتظمت بلاد الأندلـس فـي ملكـه وانقرض ملك الطوائف أجمع منها واستولى على العدوتين وخاطب المستظهر الخليفـة العباسـي ببغـداد فـي زمنـه فعقـد لـه علـى المغرب والأندلس وكتب له بذلك عهداً وأرسله إليه ولم يزل الأمر على ذلك حتى توفي سنة خمسمائة. وقام بالأمر بعده ابنه علي بن يوسف وفي أيامه تغلب الأدفونش على سرقسطة واستولى عليها. وعقـد علي بن يوسف لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وخمسمائة وأنزله قرطبة وإشبيلية وعقد لأبي بكر بن إبراهيم على شرق الأندلس وأنزله بلنسية وعقد لابن غانية على الجزائر الشرقية: دانية وميورقة ومنورقة. وبقـي الأمـر علـى ذلـك إلـى أن غلـب الموحدون على بلاد المغرب وانتزعوها من يد تاشفين بن علـي فـي سنـة إحـدى وخمسيـن وملكوها. ثم عقد عبد المؤمن أمير الموحدين لابنه أبي يعقوب على إشبيلية ولابنه أبي سعيد على غرناطـة ثـم كانـت أيـام يوسـف بـن عبـد المؤمـن فغـزا الأندلـس ثـم رجـع إلـى إشبيليـة سنـة ثمـانٍ وستين وولـى عمـه يوسـف علـى بلنسيـة وعقـد لأخيـه أبـي سعيـد على غرناطة وعقد على قرطبة لأخيه الحسـن وعلـى إشبيليـة لأخيـه علـي. ثـم عقـد لأبـي زيد ابن أخيه أبي حفص على غرناطة ولابن أخيـه أبـي محمد عبد الله بن أبي حفص على مالقة. ثم عقد لابن أبي إسحاق على إشبيلية ولابنه يحيى على قرطبة ولابنه أبي يزيـد علـى غرناطـة ولابنـه أبـي عبـد اللـه علـى مرسيـة. وقتـل فـي قتال النصارى في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. وولـي ابنـه أبـو يعقـوب ورغـب أدفونـش فـي مهادنتـه فهادنـه. وعقـد علـى إشبيليـة للسيـد أبـي زيـد بـن الخليفة وعلى بطليوس لأبي الربيع بن أبي حفص وعلى غرب الأندلس لأبي عبد الله بن أبي حفص. ورجع إلى مراكش سنة أربع وتسعين وخمسمائة ومات بعدها. وولـي ابنـه الناصـر محمـد بن المنصور ونزل إشبيلية وذلك في صفر سنة تسع وستمائة ثم رجع إلى مراكش فمات بها. وولي بعده ابنه المستنصر يوسف وكان الوالي بمرسية أبا محمد عبد الله بن المنصور فدعا لنفسه وتسمى بالعادل وكان إخوته أبا العلاء صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سراً وخرج من مرسية إلى إشبيلية فدخلها وبعـث إليـه الموحدون بالبيعة ودخل مراكش فكانت بالأندلس فتن آخرها أن ثار ابن هود على الأندلس واستولى عليه وأخرج منه الموحدين. بنو الأحمر ملوك الأندلس إلى زماننا هذا وقـد تعـرض القاضـي شهـاب الديـن بن فضل الله إلى الذي كان في زمانه منهم وهو يوسف ولم ينسبه غير أنه قال: إنه من ولد قيس بن سعد بن عبادة. ثم ذكر أنه فاضل له يد في الموشحات. واعلـم أن بنـي الأحمـر هـؤلاء أصلهـم مـن أرجونـة مـن حصون قرطبة وينتسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج ولم أقف على نسبهم إليه ويعرفون ببني نصر وكان كبيرهم آخر دولة الموحدين الشيخ أبو دبوس محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر وأخوه إسماعيل وكان لهما وجاهة ورياسة في تلك الناحية. ولما ضعف أمر الموحدين بالأندلس واستقل بالأمر محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية وقام بدعـوة العباسيـة بالأندلـس وتغلـب علـى جميـع شرق الأندلس ثار محمد بن يوسف بن نصر: جد بني الأحمر على محمد بن يوسف بن هود وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة على الدعاء للأمير أبي زكريا يحيى صاحب أفريقية من بقية الموحدين وأطاعته جيان وشريش في السنة الثانية مـن مبايعتـه. ثـم بايـع لابـن هـودٍ سنـة إحـدى وثلاثيـن عنـد وصـول تقليـد الخليفـة مـن بغـداد لابـن ثم تغلب على إشبيلية سنة اثنتين وثلاثين واستعيدت منه بعد شهر ورجعت لابن هود ثم تغلب على غرناطة سنة خمس وثلاثين وبايعوه وهو بجيان فقدم إليها ونزلها وابتنى بها حصن الحمراء منزلاً له وهو المعبر عنه بالقصبة الحمراء: وهي القلعة ثم تغلب على مالقة وأخذها مـن يـد عبـد الله بن زنون الثائر بها بعد مهلك ابن هود ثم أخذ المرية من يد محمد بن الرميمي وزيـر ابـن هـود الثائـر بهـا سنـة ثلـاث وأربعيـن. ثـم بايعه أهل لورقة سنة ثلاثٍ وستين وانتزعها ممن كانت بيده. وفي أيامه وأيام ابن هود الثائر استعاد العدو المخذول من المسلمين أكثـر بلـاد الأندلس وحصونه وهي بيدهم إلى الآن فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبقي حتى مات سنة إحدى وسبعين وستمائة. وقام بأمره من بعده ابنه الفقيه محمد ابن الشيخ محمد بن يوسف واستجاش بني مرين ملوك المغرب على أهل الكفر فلبوه بالأجابة وكان لهم مع طاغية الكفر وقائع أبلغت فيهم التأثير وبلغت فيهم حد النكاية وبقي حتى هلك سنة إحدى وسبعمائة. وولي من بعده ابنه محمد المخلوع ابن محمد الفقيه. ثـم غلـب عليـه أخـوه أبـو الجيوش نصر بن محمد الفقيه واعتقله سنة ثمانٍ سبعمائة واستولى على مملكته فأساء السيرة في الرعية والصحبة لمن عنده من غزاة بني مرينٍ. فبايعـو أبـا الوليـد إسماعيـل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وزحف من مالقة إلى غرناطة فهزم عساكر أبي الجيوش فصالحه على الخروج إلى وادياش ولحق بها فجدد له بها ملكاً إلى أن مات سنة ثنتين وعشيرن وسبعمائة فدخل أبو الوليد إلى غرناطة وملكهـا وكـان بينـه وبيـن ملـك قشتالـة مـن ملوك النصارى واقعةٌ بظاهر غرناطة ظهرت فيها معجزةٌ مـن معجـزات الديـن لغلبـة المسلميـن مع قلتهم المشركين مع العدد الكثير وغدر به بعض قرابته من بني نصر فطعنه عندما انفض مجلسه بباب داره فقتله. وبويع لابنه محمد بن أبي الوليد إسماعيل فاستولى عليه وزيره محمد ابن المحروق وغلب عليه حتـى قتلـه بمجلسـه غـدراً فـي سنة تسع وعشرين وسبعمائة واستبد بأمر ملكه واستجاش بني مرينٍ على طاغية الكفر حتى استرجع جبل الفتح من أيديهم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائـة وغدروا به بعد رجوعه من الجبل المذكور إلى غرناطة فقتلوه بالرماح. وقدمـوا مكانـه أخـاه أبـا الحجـاج يوسـف بـن أبـي الوليـد بـن إسماعيـل وهـو الـذي ذكر في التعريف أنه كان في زمانه. وفي أيامه تغلب النصارى على الجزيرة الخضراء وأخذوها صلحاً سنة ثلاث وأربعين بعـد حـروبٍ عظيمـةٍ قتـل ولـد السلطـان أبـي الحسـن المرينـي فـي بعضهـا وكـان هـو بنفسـه فـي بعضهـا. ولـم يـزل حتـى مـات يـوم الفطـر سنـة خمـس وخمسيـن وسبعمائـة طعـن فـي سجـوده فـي صلاة وولي مكانه ابنه محمد بن يوسف وقام بأمره مولاهم رضوان الحاجب فغلبه عليه وحجبه. وكان أخوه إسماعيل ببعض قصور الحمراء وكانت له ذمة وصهر من محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد فسلط محمد هذا بعض الزعانفة فتسـور حصـن الحمراء على الحاجب فقتله وأخرج صهره إسماعيل ونصبه للملك وخلع أخاه السلطان محمداً وكان بروضةٍ خارج الحمراء ففر إلى السلطان أبي سالم بن أبي الحسن المريني: ملك المغرب فأحسن نزله وأكرمه. واستقـل أخـوه إسماعيـل بن يوسف بالملك في ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة ستين وسبعمائة وأقام السلطان إسماعيل في الملك بالأندلس إلى أن مات أول سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. وأقيم مكانه أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل وبايعه الناس ومات سنة أربع وتسعين وسبعمائة. وبويـع ابنـه محمـد وهـو محمـد بـن يوسـف بـن محمد المخلوع بن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيـد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من جماعة أبيه وقد شغل الله طاغية الكفر بما وقع بينه وبين أخيه من الفتن المستأصلة. فامتنع صاحب الأندلس عما كان يؤديه من الأتاوة للنصارى في كل سنة وامتنـع ذلـك مـن واعلـم أنـه لما افتتح المسلمون الأندلس أجفلت أمم النصراينة أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف وتجاوزوا الدروب من وراء قشتالة واجتمعـوا بجليقيـة وملكـوا عليهـم بلايـة بـن قاقلـة فأقام في الملك تسع عشرة سنة وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة. وولـي ابنـه قاقلـة سنتيـن ثـم هلـك فولـوا عليهـم بعـده أدفونش بن بطرة من الجلالقة أو القوط واتصل الملـك فـي عقبـه إلى الآن فجمعهم أدفونش المذكور على حماية ما بقي من أرضهم بعد ما ملك المسلمون عامتها وانتهوا إلى جليقية وهلك سنة ثتين وأربعين لثمان عشرة سنةً من ملكه. وولي بعده ابنه فرويلة إحدى عشرة سنة قوي فيهـا سلطانـه وقارنـه اشتغـال عبـد الرحمـن الداخـل: أول خلفـاء بنـي أميـة بتمهيـد أمـره فاسترجـع مدينـة لـك وبرتقـال وسمـورة وسلمنقة وشقوبية وقشتالة بعد أن فتحها المسلمون وصارت في مملكتهم وهلك سنة ثنتين وخمسين. وولي ابنه أور بن فرويلة ست سنين وهلك سنة ثمان وخمسين. وولي ابنه شبلون عشر سنين وهلك سنة ثمان وستين. فولـوا مـن بني أدفونش مكانه رجلاً اسمه أدفونش فوثب عليه مورفاط فقتله وملك مكانه سبع سنين. فولي ابنه ردمير واتصل الملك في عقبه على التوالي إلى أن ولي منهم ردمير بن أردون آخر ملوكهم المستبدين بأمرهم. قال ابن حيان في تاريخ الأندلس: وكانت ولايته بعد ترهب أخيه أدفونش الملك قبله وذلك سنـة تسـع عشـرة وثلثمائـة فـي زمـن الناصـر الأمـوي الخليفـة بالأندلـس وتهيأ للناصر الظهور عليه ألى أن كانـت وقعـة الخنـدق سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وحصل للمسلمين فيها الأبتلاء العظيم وهلك ردمير سنة تسع وثلاثين وثلثمائة. وولي أخوه شانجة وكان معجباً تياهاً فوهن ملكه وضعف سلطانه ووثب عليه قوامس دولته - وهـم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم - فلم ينتظم لبني أدفونش بعدها ملك مستقلٌ في الجلالقة إلا بعد حين وصاروا كملوك الطوائف. قال ابن حيان: وذلك أن فردلند قومس ألية والقلاع - وكان أعظم القوامس - انتفـض علـى شانجة المتقدم ذكره ونصب للملك مكانه ابن عمه أردون بن أدفونـش واستبـد عليـه فمالـت النصراينة عن شانجة إليه وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة ووفد شانجة على الناصر الأموي بقرطبة صريخاً فجهز معه عساكر واستولى على سمورة فملكها وانـزل المسلميـن بهـا واتصلت الحرب بين شانجة وفردلند القومس. وقام بأمرهم بعده ابنه ردمير وهلك أيضاً فردلند قومس ألية والقلاع وقام بأمره بعـده ابنـه غريسـة ومـات الحكم المستنصر فقوي سلطان ردمير وعظمت نكايته في المسلمين إلى أن قيض الله لهم المنصور بن أبي عامر حاجب هشام فأثخن في عمل ردمير وغزاه مراراً وحاصره وافتتح شنت مانكس وخربها فتشاءمت الجلالقة بردمير ورجع إلى طاعة المنصور سنة أربع وسبعين وثلثمائة وهلك على أثرها. فأطاعت أمه. واتفقت الجلالقة على برمند بن أردون فعقد له امنصور على سمورة وليون وما تصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر فقبل ثم انتفض فغزاه المنصور سنة ثمان وسبعين وثلثمائة. فافتتـح ليـون وسمـورة ولـم يبق بعدها للجلالقة إلا حصونٌ يسيرة بالجبل الحاجز بينهم وبين البحر الأخضر ولم يزل المنصور به حتى ضب عليه الجزية وأنزل المسلمين مدينة سمورة سنة تسع وثمانين وثلثمائة وولي عليها أبا الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبي وسار إلى غرسية بن فردلند صاحب ألية فملك عليه لشبونة قاعدة غليسية وخربها وهلك غريسة. فولـى ابنـه شانجـة فضـرب عليـه الجزيـة وصـارت الجلالقـة بأجمعهم في طاعة المنصور وهم كالعمال له. ثم انتفض برمند بن أردون فغزاه المنصور حتى بلغ شنت ياقب مكان حج النصارى ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية فأصابها خاليةً فهدمها ونقل أبوابها إلى قرطبة فجعلها في نصف الزيادة التي أضافها إلى المسجد الأعظم. ثم افتتح قاعدتهم شنتمرية سنة خمس وثمانين وثلثمائة ثم هلك برمند بن أردون بني أدفونش. وولي ابنه أدفونش وهو سبط غرسية بن فردلند صاحب ألية وكان صغيراً فكفله منند بن غنـد شلـب قومس غليسية إلى أن قتل منند غليةً سنة ثمانٍ وتسعين وثلثمائة فاستقل أدفونش بأمـره وطلب القواميس المتعذرين على أبيه وعلى من سلف من قومه مثل بني أرغومس وبني فردلند المتقدم ذكرهم بالطاعة فأطاعوا ودخلوا تحت أمره. ثم جاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فضعف أمر المسلمين وتغلب النصارى على ما كان المنصور تغلب عليه بقشتالـة وجليقيـة ولـم يـزل أدفونـش بـن برمنـد ملكـاً علـى جليقيـة وأعمالها ثم كان الملك من بعده في عقبه إلىأن كان ملوك الطوائف وتغلب المرابطون ملوك الغرب من لمتونة على ملوك الطوائف بالأندلس على ما سيأتي في الكلام على مكاتبة ابن الأحمر ملك المسلمين بالأندلس. وفي بعض التواريخ أن ملك قشتالة الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائف في سني خمسين وأربعمائة هو البيطبين وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند وغرسية وردمير. وولي أمرهم فردلند ثـم هلـك وخلـف شانجـة وغرسيـة والفنـش فتنازعـوا ثـم خلـص الملـك للفنش واستولى على طليطلة سنة ثمانٍ وسبعين وأربعائة وعلى بلنسية سنة تسع وثمانيـن وأربعمائـة ثـم ارتجعهـا المرابطون من يده حتى استعادها النصارى سنة ست وثلاثين وستمائة. وهلك الفنش سنة إحدى وخمسمائة. وقـام بأمـر الجلالقـة بنته وتزوجت ردمير ثم فارقته وتزوجت بعده قمطاً من أقماطها فأتت منه بولد كانوا يسمونه السليطين. وأوقع ابـن ردميـر بابـن هـود سنـة ثلـاثٍ وخمسمائـة الواقعـة التـي استشهـد فيهـا وملـك منـه سرقسطة. وفـي بعـض التواريـخ أن النصـارى فـي زمن المنصور أبي يعقوب بن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائراً بين ثلاثة من ملوكهم الفنش والبيبوح وابن الزند وكبيرهم الفنش. ولمـا فشلـت ريـح بنـي عبـد المؤمـن فـي زمـن المستنصـر بـن الناصـر. استولـى الفنشس على جميع ما فتحه المسلمون من معاقل الأندلس ثم هلك الفنش. وولي ابنه هراندة وكان أحول وبذلك يلقب فارتجع قرطبة واشبيلية من أيدي المسلمين. وزحف ملك أرغون في زمنه فاستولى علـى مـاردة وشاطبـة ودانيـة وبلنسيـة وسرقسطـة والزهراء والزاهرة وسائر القواعد والثغور الشرقية وانحاز المسلمون إلى سيف البحر وملكوا عليهم ابن الأحمر بعد ولاية ابن هود. وكان استرجاع الطاغية ماردة سنـة سـت وعشريـن وستمائـة وميورقـة سنـة سبـع وعشريـن وبلنسية سنة ست وثلاثين وسرقسطة وشاطبة قبل ذلك بزمن طويل. ثم هلك هراندة. وولي ابنه شانجة ثم هلك سنة ثلاثٍ وتسعين. وولي ابنه هراندة وكان بينه وبين عساكر يعقوب بن عبد الحق: سلطان الغرب الواصلة إلى الأندلس حروب متصلة الغلب فيها لعساكر ابن عبد الحق. ثم خرج على هراندة هذا ابنه شانجة فوفد هراندة على السلطان يعقوب بن عبد الحق فقبل يده واستجاشـه علـى ولـده شانجـة فقبـل وفادتـه وأمـده بالمـال والعساكـر ورهـن عنـده علـى المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم فهو عند بني عبد الحق إلى الآن. ثم هلك هراندة سنة ثلاثٍ وثلاثين وستمائة واستقل ابنه شانجة بالملك. ووفـد علـى يوسـف بـن يعقـوب بالجزيـرة الخضـراء بعد مهلك أبيه يعقوب ابن عبد الحق وعقد معه الهدنة. ثم نفض واستولى على مدينة طريف سنة ثلاثٍ وتسعين وستمائة ثم هلك سنة ثنتي عشرة فولي ابنه بطرة صغيراً وكفله عمه جوان وهلكا جميعاً على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة. فولـي ابنـه الهنشـة بـن بطـرة صغيـراً وكفلـه زعمـاء دولته ثم استقل بأمره وهلك محاصراً جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة في الطاعون الجارف. وولي ابنه بطرة وفر ابنه القمط إلى برشلونة فاستجاش صاحبها على أخيـه بطـرة فأجابـه وزحف إليه بطرة فاستولى على كثيرٍ مـن بلـاده ثـم كـان الغلـب للقمـط سنـة ثمـان وستيـن وسبعمائة. واستولى على بلاد قشتالة وزحفت إليهم أمم النصرانية ولحق بطرة بأمم الفرنـج الذيـن وراء قشتالـة فـي الجـوف بجهـات الليمانيـة وبرطانيـة إلـى ساحـل البحـر الأخضـر وجزائـره فزوج بنته من ابن ملكهم الأعظم المعروف بالبنس غالس وأمده بأممٍ لا تحصى فملك قشتالة والقرنتيرة واتصلت الحـرب بعـد ذلـك بيـن بطـرة وأخيـه القمـط إلـى أن غلبـه القمط وقتله سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة واستولى القمط على ملك بني أدفونش أجمعه واستقام له أمر قشتالة ونازعه البنس غالس ملـك الأفرنجة بابنه الذي هو من بنت بطرة وطلب له الملك على عادتهم في تمليك ابن البنت واتصلـت الحـرب بينهمـا وشغله ذلك عن المسلمين فامنتعوا عن أداء الأتاوة التي كانوا يؤدونها إلى فولي ابنه دن جوان وفر أخوه غريس ولحق بالبرتغال واستجاش على أخيه بجموعٍ كثيرة ثم رجع إليه واصطلح عليه ثم هلك دن جوان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ونصب قومه في الملك ابنـه بطـرة صبيـاً صغيـراً لـم يبـاغ الحلـم وقـام بكفالتـه وتدبيـر دولتـه اليركيـش خـال جـده القمـط بـن الهنشه والأمر على ذلك إلى الآن وفتنهم مع البنس غالس ومع الفرنج متصلـة وأيديهـم عـن المسلمين مكفوفة. " والله من ورائهم محيطٌ ". ممالك النصرانية قلت: والممالك القائمة بجزيرة الأندلس الآن من ممالك النصرانية أربع ممالك. المملكة الأولى مملكة قشتالة التي عليها سياقة الحديث إلى أن صارت إلى بطرة بن دن جوان المتقدم ذكره. وهـي مملكـة عظيمة وعمالأت متسعة تشتمل على طليطلة واشبيلية وقشتالة وغليسية والقرنبيرة وهي بسط من الغرب إلى الشرق ويقال لملكها الأدفونش والعامة تسميه الفنش. المملكة الثانية مملكة البرتغال وهي في الجانب الغربي من قشتالة وهي عمالةٌ تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس وهي المملكة الثالثة مملكة برشلونة وهي بجهة شرق الندلس وهي مملكة كبيرة وعمالأتٌ واسعة تشتمل على برشلونة وأرغـون وشاطبة وسرقسطة وبلنسيـة وجزيـرة دانيـة وميورقـة وكـان ملكهـم بعـد العشريـن والسبعمائـة اسمـه بطـرة وطـال عمـره وهلك سنة سبع وثمانين وسبعمائة وانفرد بملك سرقسطة مقاسماً لأخيه ثم سار بعد ذلك في أسطول فملك جزيرة صقيلية من أيدي أهلها وصارت داخلة في أعمالهم. المملكة الرابعة مملكة نبرة مما يلي قشتالة من جهة الشرق فاصلاً بين عمالأت ملك قشتالة وعمالأت ملك برشلونة وهي عمالة صغيرة وقاعدتها مدينة ينبلونة وملكها ملك البشكنس. أمـا مـا وراء الأندلـس مـن الفرنـج فأمـمٌ لا تحصـى وسيأتي الكلام على ذكر ملكهم الأكبر ريدفرنس فيما بعد إن شاء الله تعالى. الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة أما مملكة المسلمين فلا يخفى أنها في معنى بلاد المغرب. وفي كثير من الأوقات يملكهم ملوك المغرب الأقصى فبالضرورة إن ترتيبهم جار على ترتيب بلاد الغرب. وقد ذكر في مسالك الأبصار أن أهل الأندلس في الجملة لا يتعممون بل يتعهدون شعورهم بالتنظيف والحناء ما لم يغلب الشيب ويتطيلسون فيلقون الطليسان على الكتف أو الكتفين مطوياً طياً ظريفاً والمتعمم فيهم قليل ويلبسون الثياب الرفيعة الملونة من الصوف والكتان ونحو ذلك وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ وفي الصيف البياض. قال: وأرزاق الجند به ذهبٌ بحسب مراتبهم وأكثرهم من بر العدوة من بني مرين وبني عبد الواد وغيرهم. والسلطـان مسكنـه القصـور الرفيعـة ويقعـد السلطان للناس بدار العدل في مكانٍ يعرف بالسبيكـة مـن القصبـة الحمـراء التـي هـي القلعـة يـوم الأثنيـن ويـوم الخميـس صباحاً ويحضر معه المجلس الرؤساء من أقاربه ونحوهم ويقرأ بمجلسه عشرٌ من القرآن وشيءٌ من الحديث الننبوي ويأخذ الوزير القصص من الناس فتقرأ عليه. وأمـا الحـرب فإنهم فيها سجال: تارةً لهم وتارةً عليهم والنصر في الأغلب للمسلمين على قلتهم وكثـرة عدوهـم بقـوة اللـه تعالـى. وبالبلـاد البحرية أسطول الحراريق المفرق في البحر الشامي يركبها الأنجاد من الرماة والرؤساء المهرة فيقاتلون العدو على ظهر البحر وهم الظافرون في الغالب ويغيـرون علـى بلاد النصارى بالساحل وما هو بقربه فيأسرون أهلها ذكورهم وإناثهم ويأتون بهم بلاد المسلمين فيبرزون بهم ويحملونهم إلى غرناطة إلى السلطان فيأخذ منهم ما يشاء ويهدي ويبيع. وقد كانت لهم وقيعة في الأفرنج سنة تسع عشرة وسبعمائة على مرج غرناطة قتل فيها من الأفرنـج أكثـر مـن ستيـن ألفـاً وملكـان: وهمـا بطـرة وجـوان عمه ففديت جيفة جوان بأموال عظيمة. وحملت جثة بطرة إلى غرناطة فعلقت على باب قلعتها في تابوت واستمرت معلقـةً هنـاك وحـاز المسلمـون غنيمـةً من أموالهم قلما يذكر مثلها في تاريخ " وما النصر الأمن عند الله العزيز الحكيم ". وقـد تقـدم فـي المقالـة الأولـى فـي الكلـام علـى النوع الرابع مما يحتاج إليه الكاتب: وهو حفظ كتاب الله تعالى: أن بعض ملوك الفرنج كتب إلى ابن الأحمر: صاحب غرناطة كتاباً يهدده فيه فكان جوابه أن قلبه وكتب على ظهره وأما ملوك الفرنج به فعلى ترتيب سائر ممالك الفرنج مما هو غير معلومٍ لنا.
|